رأينا في المقال السابق الصورة الذاتية والكتاب المقدس أن الكثير من مفاهيم "الصورة الذاتية الإيجابية" كما تُروّج لها الثقافة الحديثة وحتى بعض الكنائس، لا تتفق مع تعاليم الكتاب المقدس. والآن نستكمل لنرى شكل الصورة للتائبين الحقيقيين.
"فَتَذْكُرُونَ طُرُقَكُمُ الرَّدِيئَةَ وَأَعْمَالَكُمْ غَيْرَ الصَّالِحَةِ، وَتَمْقُتُونَ أَنْفُسَكُمْ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ وَعَلَى رَجَاسَاتِكُمْ." (حز 36: 31).
يتحدث العدد الكتابي أعلاه عن موقف الإنسان تجاه نفسه عندما يدرك خطاياه وأعماله السيئة. ففي سفر حزقيال نقرأ أن الشعب سيبغضون أنفسهم بسبب آثامهم ورجاساتهم. هذه الكلمة “يبغضون” هنا ليست إهانة، بل جزء أساسي من التوبة الحقيقية أمام الله. إذ سيصل الإنسان إلى لحظة يرى فيها قبح أفعاله وانحدار صورته الذاتية أمام عينيه.
هذا المفهوم يبتعد تمامًا عن الرسائل العصرية التي تدعو لتقبّل الذات ومحبتها بلا شروط، والتي تصر على تقدير الذات مهما كان. لكن الكتاب المقدس يستخدم كلمات قوية مثل “أبغض نفسي” كما قال أيوب، وهو شعور مقدَّر أمام الله إذا كان تعبيرًا عن ندم حقيقي يدفع للتوبة.
وفي رسالة كورنثوس الأولى (الإصحاح 13) يؤكد الوحي أن الإنسان قد يمتلك مواهب كثيرة، لكن إن لم تكن لديه محبة حقيقية، فهو “لا شيء”. وهذه الحقيقة تُعارض بشدة فكرة تقدير الذات المبنية على إحساس دائم بقيمة داخلية مستقلة عن السلوك.
ولا يسعني المجال في هذا المقال لاستعراض نصوص كتابية أخرى توضّح فساد الإنسان منذ ولادته، كقول داود “بالإثم صُوِّرت، وبالخطية حبلت بي أمي”. ووصف مزمور 58 الإنسان بالشر منذ الرحم. بل ويذهب مزمور 62 إلى ما هو أبعد، إذ يقيس الله وزن الإنسان فيجده أقل من العدم.
الكتاب المقدس إذن، لا يقدم الإنسان ككائن فائق القيمة الذاتية كما صوروا لنا، بل ككائن ساقط يحتاج لنعمة الله. ومحبة الله للإنسان لا تأتي لأنه عظيم، بل بالرغم من ضعفه، لتمجيد عظمة الله لا الإنسان.
مرة أخرى الشعور بمقت النفس أمام الله بسبب الخطايا ليس أمرًا سلبيًا، بل جزء من التوبة الحقيقية.
فكرة "اقبل ذاتك كما أنت" و"أنت عظيم مهما فعلت" لا تتوافق مع تعليم الكتاب المقدس. الكتاب يستخدم عبارات قوية مثل "أبغض نفسي" (أيوب 42:6) للتعبير عن ندم الإنسان الحقيقي.
أيوب: "أبغض نفسي وأندم".
حزقيال: "تمقتون أنفسكم بسبب آثامكم".
مزمور 58: الإنسان شرير منذ الرحم.
مزمور 62: "الناس أخف من العدم".
وغيرها من الأمثلة الكتابية…
التعليم العصري يقول: "أنت دائمًا ذو قيمة"، بينما الله يقول: "أنت لا شيء بدون المحبة الحقيقية والتوبة".
أختم بقصة رمزية قرأتها في هذا الصدد وهي عن شخص مسجون وطالب لاهوت: السجين قال: "أنا لا شيء". طالب اللاهوت عارضه وقال: "أنت ذو قيمة غير محدودة". الكاتب يرى أن السجين كان أقرب للحق لأنه اعترف بخطاياه وكان يحتاج رسالة غفران لا مجاملة.
الخلاصة:
قيمة الإنسان الحقيقية تأتي من الله وبرحمته، وليس من ذاته، واهتمام الله بنا يعكس عظمته هو، وليس استحقاقنا.