لكل مادة عناصر كوّنتها، مثلها الكتابة بأنواعها. والكاتب الناجح، أيّاً كان اتجاهه وهدفه من الكتابة، يبحث دائماً عن مؤهّلات النجاح. لعلّ أهمّ عناصر الكتابة سلامة لغتها من الأخطاء وإن شاع بعضها ولا سيّما الإملائيّة والنحويّة والعَروضيّة، بغضّ النظر عن التطرّق إلى الأسلوب الفني في الكتابة وإلى الحبكة الموضوعية وغيرها.
حين أتحدّث عن تجربتي الشخصية وعن مزاجي في القراءة فإنّ كلّ مادّة مكتوبة، محتوية على أخطاء لغوية، تفقدني شهيّة قراءتها بعد قراءة سطورها الأولى. أمّا إذا شدّني الموضوع لسبب ما قلت في نفسي: لا بأس من الإستمرار في القراءة، لكن مع ولادة انطباع صعب هو الشعور بأن الكاتب (فلان) قليل الإطّلاع أو أنّ ثقافته محدودة، حتى إذا استطاع لفت انتباهي إلى موضوعه وتحريك عاطفتي وضميري وحتى إذا حظِيَ بتصفيق. ولا أخفي سرّاً على أحبّائي بالقول: كثر ما أطلقت على بعض “الكتّاب” صفة كاتب وكاتبة، ذلك للتشجيع، لكنّ في قرارة نفسي شيئاً آخر، إذ رأيتهما بعيدَين عن فن الكتابة (الذي عرفته وتعلّمته من زمن زاد على ثلاثة عقود) بُعْدَ القمر عن الأرض أو بعدها عن الشمس. فيعزّ عليّ فقدان صديق (أو صديقة) في المستقبل بعدما تقبّلا مني ظاهريّاً نصيحة مخلصة، بينما أخفيا عني غيظاً ما في الباطن.
لكنّ الكاتب المصمّم على النجاح حتى آخر المطاف يتقبّل النقد الموضوعي بصدر رحب فيعتذر عن تسرّعه في الكتابة أو عن سهوه. ومِن الكتّاب مَن يتنبّه إلى خطأ ما بعد إرسال مادّته إلى النشر، أو يتنبّه إلى خطئه بعد رؤية مادته منشورة. وعليه في الحالتين بمراجعة المادّة قبل إرسالها إلى النشر. وأعرف مِن الكتّاب مَن أرسل اعتذاراً قبل شروع أحد النقّاد بتنبيهه على الخطأ. والإعتذار ظاهرة حضاريّة تعني استعداد الخاطئ للرجوع عن خطئه، عازماً على محاولة تصحيح الخطأ، ما يدلّ على كبر الكاتب وإحساسه بالمسؤولية.
بَيْدَ أنّ القارئ المثقف، من جهة مقابلة، يعرف جيّداً ما كان خطأ الكاتب عائداً إلى مستواه التعليمي أو كان سهواً ما قد يحصل في أحسن ظروف الكتابة. فمعلوم أنّ الكتابة باللغة العربيّة موضوع صعب فلا يتقن أدب العربيّة إلّا أهل المواهب وذوو التخصص وذواته، لكن الكاتب الموهوب ونظيره المتخصص يحاولان تذليل الصعوبات اللغوية قدر الإمكان ومنعها من السيطرة على فنّ الكتابة وأسلوبها وعلى طريقة إيصال المفهوم إلى المتلقّي.
هناك بالمناسبة من كتب قطعة ما على خلاف ما قصد، أو أحاط بها الغموض. فلا فهم كاتبها ما دوّن بيده ولا استطاع القرّاء فهم ما ذهب إليه، ما أفسح في المجال للتأويل والتحليل. ولا يخفى، بالمناسبة أيضاً، قصور اللغة العربية في شؤون عدّة، أترك الحديث عنها إلى مناسبة أخرى، لأركّز فقط على الأخطاء اللغوية الثلاثة (المذكورة أعلى) وقد خصصت حلقة لكل منها، هنا الحلقة الأولى، أمّا الحلقتان الأخريان فتأتيان قريباً بعون الربّ يسوع- آمين
أوّلاً: الأخطاء الإملائيّة
لعلّ القارئ اللبيب لاحظ عدداً من الهمزات فيما تقدّم؛ سأكتب بعض الأمثلة على طريقة كتابة الهمزة، أيّاً كان نوعها، متمنيّاً على الأحبّاء من الكتّاب والكاتبات الإهتمام بكتابة كل منها بحسب محلّ الكلمة من الإعراب: هؤلاءِ مُخطِئون قد أخطأوا (أو خطِئوا) وأساؤوا واعترف كل منهم بخطئِهِ وما أكثر أخطاءَهم. خطِئَ بعضُ المتنبِّئين مِن أُولي العلم بالفلك بتنبّؤاتهم. قُرِئ عن سبأ وعُلِمَ بنبَئِها. حذار مِن وَطءِ دار القِمار ومِن سُوئِها. ألهَمَني شاطِئا دجلة، أعجبتُ بشاطِئَيها. رجاؤُنا بالمسيح يسوع. ما أعظمَ رجاءَنا بالمسيح. أنعِمْ برجائِنا
هناك من يخلط بين حرف الذال وحرف الزاي بسبب اللهجة الدارجة في بلده، هنا بعض الأمثلة: قرأت الجزء (وليس الجذء) الأوّل من الكتاب المؤلّف من خمسة أجزاء. ما أروع مزامير داود. يشدّني ذكاءُ الرّائحة فما أطيب الرائحة الذكيّة (وليست الزكيّة) للعطر الفلاني. وفلان جهبذ (وليس جهبز) باللغة العربيّة. وقد غابت عن ذهني (وليس زهني) أمثلة أخرى
وهناك من يخلط بين الضاد والظاء (والعربيّة لغة الضاد) لذا تجب كتابة كلّ من الحرفين كالتالي: تلكم نظائر، نظام الكون، حقك محفوظ، لماذا تغتاظ، سَئِمنا من الإنتظار، لحظة من فضلك، النظافة ضروريّة. عنده ضمير، ذلك مُضجر، هذا مفروض... إلخ. وقد تعلمت في دراستي الإبتدائية قاعدة بسيطة؛ يُلاحظ المرء ارتفاع طرف اللسان الأمامي إلى أسنان الفكّ العلوي خلال نطقه بحرف الظاء: ظلم، مظلم، متيقّظ... بينما يلاحظ انخفاض طرف اللسان إلى أسنان الفكّ السّفلي بعد النطق بحرف الضاد: ضوء، نضج، رفض... إلخ
وهناك من يخلط بين التاء والطاء وبين الثاء والسين وبين السين والصاد وبين الغين والقاف سواء باللفظ والكتابة، بالإضافة إلى ما يخطر في أذهان القرّاء الأحبّاء في هذه اللحظات
أمّا الجدير ذكره بهذه المناسبة فخلوّ الكتاب المقدّس من أيّ خطأ، سواء المكتوب بالأصل اليوناني أو المترجم إلى لغات العالم كافة ومنها العربيّة- موضوعتنا اليوم تحت مجهر البحث. فمعلوم أن العهد الجديد (الإنجيل) قد كُتِبَ باللغة اليونانية (القديمة) لأنها أحسن لغات العالم بدون استثناء؛ لتميّزها بمفردات غنيّة وبقواعد دقيقة وببساطة فهمها دونما تعقيد، يعلم بمحاسنها أصحابُ التخصّص بها؛ لغة وقواعِدَ وآدابًا وعُلومًا وفلسفة. لهذا السبب أيضاً (بحسب رأيي ووفق معلومات عن اليونانية) تمّت ترجمة العهد القديم (التوراة وسائر الأسفار) إلى اليونانية، هي الترجمة المسمّاة بـ السّبعينيّة، منذ القرن الثالث قبل الميلاد. فإن وُجد سببٌ آخر غير ما ذكرت فإني أصرّ على ترجيح وجود تدخل إلهي بموضوع تدوين الكتاب المقدّس باليونانية
أمّا ترجمة الكتاب المقدّس إلى العربيّة فإذا أخذنا ترجمة فاندايك مثالاً نجد أنّ العلّامة اللبناني بطرس البستاني صاحب “محيط المحيط” والأديب اللبناني ناصيف اليازجي قد اشتركا بها، بالإضافة إلى سميث وفاندايك. لذا أدعو القرّاء الأحبّاء إلى وضع اسم كلّ من الأسماء الأربعة في محرّك البحث غوغل أو ويكيپـيديا، لقراءة السيرة الشخصيّة بل الذهبيّة لكلّ منهم، حتى يحين موعد الحلقة الثانية من هذا الموضوع- مع أطيب التحيّات والأمنيات