ما الذي تغير بمجيء المسيح؟
ظهر لي في الحلم حوار دار بيني وبين ابنتي، سألتني: هاءنذا قد بلغت من العمر 18 عامًا، لذا قررت أن أختار بنفسي الديانة المناسبة التي فيها الخلاص. صحيح أنّك وضعت أمامي جميع الكتب الدينية المقدَّسَة عند أتباعها وتركتَ لي الخيار حتّى قرأت منها ما قرأت. فوجدت المسيحية قريبة من نفسي وشخصيتي وطموحي، بل أقرب إليّ من غيرها بكثير. وعلِمتُ أنّ من الخطإ تصنيف المسيحيّة ضمن الديانات الأرضية منها والفضائية، لأنّ المسيحيّة علاقة محبّة مباشرة مع الله جلّ قدره وشأنه. لكني في هذا الوقت أحتاج إلى استشارتك في سبب اعتبار التوراة وسائر أسفار الأنبياء والكتبة ضمن الأسفار المقدّسة مسيحيًّا. ألا يكفينا العهد الجديد بعدما انتهى العمل بشريعة العهد القديم وأحكامها؟ فكم من مرّة قال السيد المسيح {قيل للقدماء كذا وكذا وأمّا أنا فأقول لكم...} فأجبتها مصحِّحًا لها بعض المعلومات: لا! إنّما الشريعة باقية لم يتغيّر حرف واحد منها؛ فمحبّة الله ومحبّة القريب واجبتان وثابتتان، هما وجميع وصايا الله الأخرى (لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، أكرم أباك وأمّك، لا تشتهِ امرأة قريبك، لا تشهد بالزور... إلخ) لكنّ الذي تغيّر بعد مجيء السّيّد المسيح له المجد، إذ أتى بالنعمة إلى العالم فاديًا ومخلِّصًا، هو النظرة الجافّة إلى أحكام الناموس (أي الشريعة) فأصبحت نديّة. وتغيّرت طريقة العمل بتلك الأحكام قضائيًّا فأصبحت مرنة. ما ترجم محبة الإنسان أخاه الإنسان، من الجنسين، ترجمة واقعيّة فعّالة حتى لو أخطأ الأخ سبعين مرّة سبع مرّات (متّى 22:18) وترجم المزيد من احترام الإنسان أخاه وأخته، بما في الاحترام من معان (كما في مَثَل السامري في لوقا: الأصحاح العاشر) وأفسح في المجال للحرّيّات بأنواعها، كالحرية الشخصية المنضبطة وحرية المعتقد وحرية الرأي: {إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني- متّى 24:16} فقول يسوع {إن أراد} يدلّ بوضوح على احترام الحرية الشخصية بدون أيّ إجبار أو إكراه. وتألّق تشريع التسامح بين الناس وإعطاء فرصة جديدة للخاطئ، لأنّ الله في النهاية هو الديّان العادل! فليس من حق الإنسان أن يدين أخاه إذا ما أخطأ في حق الله وفي حقّ نفسه: {مَن كان منكم بلا خطيّة فليَرمِها أوّلًـا بحجر – يوحنّا 7:8} وهذا لا يعني الغضّ بالنظر عن الخطإ وتاليًا التساهل مع المتمرّدين على وصايا الله كالزناة والقتلة واللصوص، إنّما يلزم الردع بوسائل منطقيّة وعادلة قضائيًّا (متّى 12:21 ومرقس 15:11 ومتّى 52:26 ويوحنّا 11:18) وفي العهد القديم سِفر كامل اسمه "القضاة" فالمسيح ما جاء لينقض الناموس ولا الأنبياء بل ليكمّل (متّى 17:5) والمسيح أراد رحمة لا ذبيحة ودعا إلى التوبة خطأة لا أبرارًا (متّى 13:9) آملًـا في أنّي أجبتك يا ابنتي العزيزة، عِلمًا أنّ الوحي الإلهي بلسان بطرس الرسول قال عن يسوع: {هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية. وليس بأحد غيره الخلاص. لأنْ ليس اسمٌ آخَرُ تحت السماء قد أُعطِيَ بين الناس به ينبغي أن نَخْلُص} – أعمال الرسل 4: 11-12
إنجيل واحد في الكتاب الواحد للإله الواحد
فأفقت من نومي وبعد قليل تصفّحت ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية التي بقلم الخوري السرياني العلّـامة يوسف داود والمطبوعة في لبنان، وهي غير متوفرة على الإنترنت حتى الآن، فأثلج صدري تعَبُ المحبة المبذول في هذه الترجمة من جهة الهامش المدوَّن تحت الأصحاح؛ ففيه دليل لإشارات من العهد الجديد إلى العهد القديم وبالعكس، وفق الحروف الأبجديّة، سواء الآيات المنقولة عن لسان المسيح، فيما تعلّق بالعهد الجديد، وآيات الوحي الإلهي الملقاة على ألسنة سائر الإنجيليّين. وبالمناسبة فإن عدد الإنجيليّين ليس أربعة، كما الخطأ الشائع! إنما هم بالإضافة إلى متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، الرسل القدّيسون التالية أسماؤهم بحسب تسلسل رسائلهم في العهد الجديد أي الإنجيل: بولس ويعقوب وبطرس ويهوذا، لأن رسائل هؤلاء الأربعة إنجيليّة أيضًا! ولا وصف آخر غير الإنجيلية يليق بها. لذا فإن عدد الأقلام التي دوّنت الإنجيل ثمانية. والإنجيل، أي البشارة المُفرحة أو الخبر السّارّ، واحد وليس أربعة! ولا يجوز فيه الجمع "أناجيل" لأنّ العهد الجديد واحد، كما أنّ العهد القديم واحد أيضًا. والذي ميّز هذين العهدين من بعضهما هو مجيء السيد المسيح إلى الأرض. وقد جُمِعت مدوّنات هذين العهدين في كتاب واحد اسمه الكتاب المقدّس وهو كتاب الله المختوم إلى الأبد بختم الروح القدس، وهو كتاب الله الوحيد بحسب إيمان المسيحيّين والمسيحيّات؛ لأنّ الله المثلث الأقانيم بالذات والكلمة والروح القدس هو واحد، فلا يجوز أن يكون لله الأزلي والأبدي أزيد من كتاب واحد، إنّما تعدد الكتب وتنوّعها من حاجات الإنسان ومن إبداعاته. ولو كان المسيحيون، من الجنسين، يعبدون إلهًا ثانيًا- حاشا- لأصبح لديهم كتابان مقدّسان! ولو عبدوا ثلاثة آلهة، كما افتُريَ عليهم، لبات لديهم ثلاثة كتب مقدّسة! هذا وفق افتراض قائل إنّ لكل إله كتابًا خاصًّا به. فاٌنظر-ي كيف بدأ قانون الإيمان المسيحي: نؤمن بإله واحد! عِلمًا أنّ عدد آيات التوحيد في الكتاب المقدّس قد بلغ 5248 آية حرفيًّا ومعنويًّا، بحسب إحصائيّة لأحد الواعظين الجدد. والوصية الأولى التي تصدّرت وصايا الله العشر هي: {أنا الرَّبُّ إلهُكَ الّذي أخْرَجَكَ مِن أرْض مِصْرَ مِن بيت العُبُوديَّة لا يَكُنْ لكَ آلِهَةٌ أُخرى أمامي} – خروج 20: 2-3
النبيّ الذي مثل موسى النبيّ
إنّ موضوع هذه المقالة سيقتصر على بعض آيات العهد الجديد التي في كل منها إشارة إلى آية واحدة أو اثنتين أو أزيد في العهد القديم وليس العكس؛ لأنّ العهد القديم لا قيمة روحيّة له بمعزل عن العهد الجديد بل لا يمكن فهمه كما يجب إلّـا في ضوء العهد الجديد. فلولا العهد الجديد لبقِيَ شعبُ الله منتظرًا المسيح المخلِّص- وهذه هي حال اليهود عبر التاريخ منذ زمان موسى النبيّ حتى اليوم. ولهذا كتب متّى الإنجيلي، أحد الإثني عشر، بشارته موجَّهة إلى أبناء جلدته (اليهود) ليبشِّرهم بمجيء المخلِّص، موسى الجديد الذي انتظروا مجيئه طويلًـا وما يزال يهود اليوم منتظرين، فدَوَّن أوّلًـا نسب المسيح: {كِتَابُ ميلاد يَسُوعَ المَسِيحِ ابنِ داوُدَ ابنِ إبراهيمَ: إبراهيمُ وَلَدَ إسحاقَ. وإسحاقُ وَلَدَ يعقوبَ. ويعقوبُ وَلَدَ يَهُوذا وإخوتَهُ} ... إلخ. وفي هذا النّصّ ثلاث إشارات؛ الأولى إلى سِفر التكوين 3:21 {ودعَا إبراهيمُ اسْمَ ابْنِهِ المولودِ لَهُ الّذي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ إسحاقَ} والثانية إلى التكوين 26:25 والثالثة إلى التكوين 35:29 وهكذا. والهدف من هذه المقالة هو تبيين أهميّة الإشارة وليس تحديد الإشارة فحَسْبُ! لأن التحديد معروفٌ لدى اللاهوتيّين وبعض العامّة وموجودٌ ضمن تفسير الكتاب المقدّس. لعل القارئ والقارئة يتنبّهان من جديد، الآن وفي المستقبل، لمعنى كلّ آية، إمّا بإرشاد الروح القدس أو بمساعدة أحد كتب التفسير. ولعلّهما يدقّقان في أهميّة كلّ إشارة وردت في الكتاب المقدّس وخصوصًا العهد الجديد. ففي النصّ السابق- مثالًـا؛ ولدت سارة إسماعيل قبل إسحق فلماذا ذكَرَ وَحْيُ العهد الجديد إسحق ولم يذكر إسماعيل؟ والجواب من الكتاب: لأنّ الله إذ بارك إسماعيلَ وجعله أمّة كبيرة، أقام عهده مع إسحق ولم يُقِمْهُ مع إسماعيل إطلاقًا: {وقال إبراهيم لله: ليت إسماعيل يعيش أمامك! فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك ابنًا وتدعو اسمه إسحاق. وأقيم عهدي معه عهدا أبديًّا لنسله من بعده. وأمّا إسماعيل فقد سَمِعتُ لكَ فيه. ها أنا أباركُهُ وأثمِرُه وأكثِّرُهُ كثيرًا جدّا. اثني عشر رئيسًا يَلِدُ وأجعلُهُ أمّة كبيرة. ولكن عهدي أُقِيمُهُ مع إسحاق الّذي تَلِدُهُ لك سارَةُ في هذا الوقت في السَّنةِ الآتية – تكوين 17: 18-21} وهذا يعني بوضوح ودقّة إنّ النبيّ الذي أشار إليه الله مكلِّمًا موسى النبيّ في التوراة (تثنية 18: 15 و18) مُزمع أن يأتي من نسل إسحق وليس من نسل إسماعيل! ولهذا راود ذهني عدد من التساؤلات في الماضي؛ الأوّل: مَن هو النبيّ المقصود في التوراة وتحديدًا في هذه الآية: (يقيم لك الرب إلهُك نبيًّا مِثلي مِن وسطِكَ، من إخوتِكَ، فلهُ تسمعون - تثنية 15:18) وقد ورد أيضًا وبعد آيتين فقط: {سأقِيمُ لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيخاطبهم بكل ما آمره به - تثنية 18:18}؟ والجواب: قطعًا هو السّيّد المسيح لأنّ معنى {مِن وسطك} أي من وسط بني إسرائيل وليس من أمّة أخرى؛ قال يوحنا الإنجيلي: {إلى خاصّته جاء، وخاصّته لم تقبله - يوحنّا 11:1} إذ أكَّد السيِّد المسيح هذه الحقيقة في قوله للسامريَّة: {لأنّ الخلاص يأتي من اليهود - يوحنّا 4: 22} أمّا معنى {مِثلي} هو: مِثل موسى، وهو معنى {مِثلك} أيضًا؛ فالياء والكاف ضميران متصلان تقدير كلّ منهما: موسى؛ لأنّ المسيح هو النبيّ الوحيد الذي قدّم الشريعة الإلهيّة للناس، مثلما فعل موسى، ما لم يقمْ به أيٌّ من الأنبياء الذين أتوا بعد موسى. هكذا فهِمَ اليهود الذين اتّبَعوا المسيح معنى آيَتَي سِفر التثنية المذكورتين؛ لعلّ أبرزهم الرسول بطرس إذ ورد هذا المفهوم في عِظته (أعمال الرسل 22:3) وعلى لسان شهيد المسيحيّة الأوّل استفانوس في عِظته (أعمال الرسل 37:7) والتي تسبّبت في رجمه فاستشهاده.
الأمين الصادق
والتساؤل الثاني: لماذا لم يَدَّعِ أحَدُ الأنبياء لنفسه بأنه المسيح المنتظر الذي أعلنه موسى للشعب، بحسب هاتين الآيتين، ولا سيّما الكبار منهم أي إشعياء وإرميا وحزقيال ودانيال؟ والجواب، باختصار شديد وبدون الحاجة إلى الاستشهاد بآية ما من سِفر إشعياء أو بنصّ ما من سِفر إرميا وغيره، هو: لأنّ أنبياء الكتاب المقدّس، عمومًا ومن الجنسين، صادقون وأمناء قولًـا وفعلًـا؛ كتبوا نبوّاتهم، أو كُتِبتْ، لمجد الله لا لمجد شخصيّ، هي ما أوحى الله بها إليهم. فلم يفتخر أحد منهم لنفسه بأيّة نبوّة بل بالله. وقد ميّزهم شعبُ الله واثقًا بأن الله هو الذي أرسلهم. فلم يكن شعب الله المختار (أي الشعب الذي اختاره الله ليأتي المسيح من نسله) غبيًّا- حاشا الله أن يختار شعبًا غبيًّا وحاشا أن يُرسِل من بين الكَذَبَة والدّجّالين رسولًـا أو نبيًّا. هذا ولم يفوّت الكتاب المقدّس على أنبيائه ورسله لقب "الأمين الصّادق" حتّى أطلقه على خاتِمِهم ومُكمِّلهم وربِّهم يسوع المسيح – رؤيا يوحنّا 14:3
ما قبل الشريعة الموسويّة
والثالث: لماذا أتى النبيّ، الذي أعلن موسى في التوراة عنه، من نسل يعقوب بن إسحق وليس من نسل عيسو، وهو توأم يعقوب لكنّ رفقة ولدته قبل يعقوب، في وقت كان إسحق يحب عيسو أكثر من يعقوب؟ ولماذا أتى تحديدًا من سِبط يهوذا دون سائر أسباط يعقوب البالغ عددها اثني عشر سبطًا؟ عِلمًا أن أسباط يعقوب هي أسباط إسرائيل، لأنّ الله أطلق على يعقوب اسم إسرائيلَ فيما بعد. وما تفسير زواج يعقوب من أربع؛ لَيْئَة وجاريتها زِلْفَة التي أعطتها ليعقوب زوجة، وراحِيل وجاريتها بَلْهَة التي أعطتها ليعقوب زوجة أيضًا؟ أفليس الكتابُ المقدّسُ مُشرِّعَ شريعة الزوجة الواحدة والزوج الواحد؟ والجواب من الكتاب، كما جرت العادة، لكني أتركه للقارئ-ة لدراسة سِفر التكوين. أمّا الواجب ذِكره بالمناسبة فهو أنّ جميع أحداث سِفر التكوين قد حدثت قبل تسليم الشريعة الإلهية لموسى النبي في السِّفر التالي (الخروج) فلا يُدهشِ القارئَ الغِشُّ الذي قرّره يعقوب وأمّه، إذ أحبّته أكثر من عيسو، مختلِسًا البكوريّة من عيسو. ولا يستغرب من تعدّد الزوجات ومن القتل والسلب والنهب والسبي ما قبل استلام الشعب وصايا الله العشر.
ما بين الطبيعة والشريعة
والجدير ذكره أيضًا في تدوين نسب المسيح، بحسب متّى الإنجيلي، هو آيات العهد القديم التي لفت إليها العلّـامة المذكور في هامش الأصحاح الأوّل من سِفر متّى، مبيّنًا استناد متّى عليها في ذكر أجداد يوسف النجار (والد يسوع المسيح وفق الشريعة) وهم موزَّعون على أسفار أخرى، بالإضافة إلى التكوين، هي تحديدًا: أخبار الأيام الأوّل والثاني وراعوث والعدد وصموئيل الأوّل والثاني والملوك الأول. فإذا ما وصل القارئ إلى الآية: {ويعقوب ولد يوسف خطّيب مريم التي وُلِد منها يسوع الذي يُدعى المسيح – متّى 16:1} وجد ملاحظة مهمّة في الهامش المذكور، نصّها: (ترى ههنا أنّ متّى الإنجيلي إنّما يذكر نسبة يوسف. لا نسبة مريم العذراء. تبَعًا لعادة اليهود الذين في عَدِّهم نسبة الإنسان لا يعتدّون بالمرأة لكونها منسوبة إلى زوجها قرابة. بحيث أنّ نسبة الرجل تبيّن نسبة المرأة أيضًا. وكان ذلك محفوظًا خصوصًا في سِبط يهوذا الذي منذ القديم قد احتُرِز اختلاطُهُ مع سائر الأسباط لأنّ المسيح كان مزمعًا أن يولد منه. وكذلك الإنجيلي اكتفى هنا بذكر حَسَب يوسف الذي هو حَسَب مريم عينها أيضًا) فمن يقرأ نسب المسيح بحسب لوقا الإنجيلي، في الأصحاح الثالث مِن سِفر لوقا، يجد العلّـامة مدوِّنًا في هامش الآية القائلة {ثمّ إنّ يسوع كان مبتدئًا أن يكون في نحو الثلاثين سنة. وهو على ما كان يُظَنّ ابن يوسف. بنِ هالي – لوقا 23:3} المعلومة التالية: [إعلمْ أنّ يوسف خطّيب مريم كان بالطبيعة ابن يعقوب (طالعْ متّى 16:1) وبالشريعة ابن هالي. وذلك أنّ يعقوب وهالي كانا أخوين لأمّ. فلمّا مات هالي بلا نسل. تزوّج يعقوب بامرأته كما في الناموس. فصار يوسف ابنه محسوبًا بالشريعة ابن هالي] انتهى.
يسوع المسيح محور الكتاب المقدّس
وقد سبق لي أن قرأت المعلومة السابقة في كتاب "الدر الفريد في تفسير العهد الجديد" للعلّـامة مار ديونيسيوس يعقوب الملطي مطران مدينة آمد (ديار بكر) المشهور باٌبن الصليبي المُلقَّب بالمنطقي أو البليغ (حجّة اللاهوتيّين وعمدة الأئمة المفسّرين وأحد ملافنة الكنيسة السريانية العظام ومشاهير آبائها الأعلام في أوائل القرن الثاني عشر) وبهذه المناسبة؛ كيف يدّعي بعض الإخوة المسيحيّين إنّ مريم العذراء هي بنت هالي؟ ألم يدقّقوا في لوقا 23:3 التي نصّت بوضوح على أنّ يوسف هو ابن هالي بالشريعة فكيف تصبح مريم العذراء بنت هالي؟ وإن أراد العهد الجديد ذكر اسم والد مريم فما الذي منعه مِن ذكر اسم والدة مريم بالمقابل؟ فقليل من التفكير يكفي الاستنتاج أنّ مريم العذراء لو كانت بنت هالي فإنها بالمقارنة مع لوقا 23:3 تصبح أخت يوسف النجار المعروف بأنه خطّيبها (وزوجها أمام يهود ذلك الزمان) لكنّ واعظًا آخر حاول أن يحلّ المشكلة فادّعى، جوابًا على سؤال تلقّاه عبر إحدى الفضائيات المسيحية، إنّ هالي من أسماء يواقيم أو يواكيم (والد السيدة المطوَّبة مريم العذراء بحسب تقليد كل من الكنيستين الأرثوذوكسيّة والكاثوليكية واسم والدتها حَنَّة) أو أنّ يواقيم من أسماء هالي، لتتعقد المشكلة إذ يصبح والد مريم ووالدتها مجهولَي الهويّة أو تصبح مريم العذراء "بنت أبيها" لأنّ يواكيم إذا اعتُبرَ والد يوسف النجار يبرز على سطح هذه الفرضية احتمالان؛ فإمّا أن يكون اسم والد يوسف النجار مطابقًا لاسم والد مريم العذراء وهذا احتمال مستبعَد إذ لا دليل عليه في الكتاب المقدّس ولا في التراث (أو التقليد) المسيحي، أو أنّ يوسف ومريم أخَوان وهذا احتمال مرفوض من جميع الطوائف. أمّا رأيي فأتفق به مع تقليد كلّ من الكنيستين المذكورتين، لأنّ في التراث المسيحي الكثير من الأخبار التي لم تدوَّن في الكتاب المقدّس. والسبب ببساطة يكمن في أنّ مِحور الكتاب المقدّس هو الرب يسوع لا غير، فإن لم تسع كتب الأرض لتدوين ما صنع يسوع من عجائب ومعجزات (يوحنّا 25:21) فكيف يسع الإنجيل أخبارًا غير أخبار يسوع؟ عِلمًا أنّي أصغيت إلى واعظين من خارج هاتين الكنيستين قد استشهدوا بأخبار مستقاة من هذا التراث فلماذا يرفضون التراث القائل إن يواكيم وحنّة هما والدا السيدة العذراء؟ وعِلمًا أن التراث المسيحي مدوَّن في كتب كثيرة، محفوظة في مكتبات الكنائس والأديرة، وفي بيوت عدد من المؤمنين والمؤمنات ما يصعب إحصاؤه، ومنها ما حُفِظَ في أجهزة الحاسوب وملحقاته، وفي مواقع الكترونية مسيحية وغير مسيحية.