لا يزال مسلمون وعلمانيون وملحدون يثيرون غبار إفلاساتهم المعرفية على المسيحية، نظرًا لما رافق تاريخها من عنف سواء في العهد القديم من الكتاب المقدّس وعلى أرض الواقع، في الشرق والغرب. لذا سأحاول الرد، باختصار شديد، على أبرز دقائق الغبار المثارة، بشيء من التفصيل.
العنف في العهد القديم
حصل العنف في العهد القديم (1) ضدّ سبعة شعوب مذكورة بالإسم، بعد تأنّي الله على الخطيئة بأنواعها وبشاعتها حوالي ستّمئة سنة. أراد الله بقسوته وعنفه تطهير البشريّة من الشّرّ، ما لم يحسّ به هذا الجيل وأجيال كثيرة سبقته، لأنّ هذا الجيل وسائر الأجيال قد فتحوا عيونهم على إنسان جديد وحديث! إنما إنسان العهد الجديد غير إنسان العهد القديم فكريًّا وسلوكيًّا، حتّى انتهى زمن العنف في وقته، بدون رجعة، إذ خلّص الله شعبه في النهاية بيسوع الفادي والمخلِّص الذي ابتدأ عهد النعمة بأفعاله وأقواله. فلماذا العودة بصبغة دينية دنيوية، اليوم ومنذ القرن السابع الميلادي، إلى العنف والظلم والهدم والحرق والتشويه والتحريف والتدليس! وإلى ثقافة منحرفة 180% عن ثقافة يسوع المسيح؟
الحملات الصليبية
لم تكن حملة واحدة بل حملات (2) كما دلّ عليها اسمها، في هذا الباب وفي عنوان المقالة، منها ما اصطبغ بطابع هجومي حتى ضد مسيحيّين من الطوائف الشرقية بحجة الدفاع عن عقيدة كاثوليكية ما أو مذهب، هي على الأرجح طريقة فهم الكاثوليك طبيعة السيد المسيح تحت منظار مزدوج إلهي وإنساني. لكن يبدو لي، من جهة أخرى، أن الموضوع متعلّق بالصراع على الكرسي الرسولي. ومنها ما كان دفاعيًّا صرفًا عن المقدسات المسيحية ضدّ مسلمين سواء أكانوا من العرب أم من السلالة التركية المسمّاة بالسلاجقة (3) حملات حيكت حولها شائعات مغرضة وأساطير، شُنّت بمباركة رجال دين محسوبين على الكنيسة الكاثوليكية، استنادًا على حقّ الدفاع عن المقدسات المسيحية التي نظر إليها مسلمو ذاك الزمان باحتقار فعاثوا فيها فسادًا، ربّما انطلاقًا من غيرة الرب على بيته (غيرة بيتك أكلتني- يوحنا 17:2 والمزمور 9:69 وحزقيال 7:43) وعلى كنيسته التي لن تقوى عليها أبواب الجحيم (متّى 18:16) فاندفع إليها شباب مسيحي متحمّسًا لدينه غيورًا عليه، متبرّعًا بماله ومتحملّـا تكاليف باهظة، آذت المسيحيّين ولا سيّما الشرقيّين أكثر من غيرهم، لذا اعتذر البابا يوحنا بولس الثاني عن غزو القسطنطينية سنة 1204 وعن خطايا عدد من الكاثوليك الذين شاركوا في الحملات الصليبية، لكنه لم يعتذر عن تلك الحملات! وإذا كان لأولئك المسلمين نصيب من الأذى فلأنّهم عاثوا فسادًا، كما تقدّم، ولا يزال أحفادهم يعيثون إلى هذا اليوم، لأنّ غزواتهم وسائر توسعاتهم باسم إله الدين الاسلامي قائمة، سواء في الأراضي المقدّسة؛ مهد السيد المسيح وسائر أنبياء الله، وفي آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ومن نماذج الفساد؛ تحقير جميع المقدّسات غير الإسلامية ومحاولة فرض الديانة الإسلامية بالقوة على المسيحيين وغيرهم ويا للصلف! يحتلّون الأرض ويفرضون شريعتهم الارهابية على أهلها وأصحابها الشرعيّين بما فيها الجزية والخِمار والنقاب، بالإضافة إلى التخريب والحرق! إنما الديانة المفروضة بالقوة مشكوك في صحّتها، أمّا المقبولة بالاقناع فلا أحد يلوم أصحابها حتى إذا كانت مغلوطة، لأنهم لم يضرّوا أحدًا. وفي مَثَل شائع: أنت حُرّ ما لم تضُرّ! لذا فليناقش المعترض أسباب الحدث قبل وقوعه وقبل إحصاء النتائج، لأن العامّة من المسلمين يبكون النتائج ولا يفكّرون في الأسباب. وللتاريخ أقول: إن على الأخ المسلم، في رأيي، أن يراجع صحّة ديانته! وأن يخجل كثيرًا من تاريخ الدين الاسلامي! فإنّ المسلم آخِرُ مَن يحقّ له الاعتراض ولن يحقّ له، إنّما عليه وعلى الجيل المليون من نسله، أن يدفع ديون السَّلَف، غير الصالح في نظري، السلف الذي باٌسم إله غريب؛ زنى وقتل وسرق واغتصب وسبى وخرّب وحَرَّق. عِلمًا أن القول بالإسلام الوسطي أو المعتدل عارٍ عن الصحّة ولا يفقه فيه "المعتدل" شيئًا، لأنّ الإسلام الصحيح بل أصحّ نماذجه هو أنموذج داعش! أمّا المعتدل فما فوق فهو بعيد عن الإسلام.
محاكم التفتيش
إنها محاكم، كما دلّ اسمها عليها، ليست محكمة واحدة! ولم تكن في دولة واحدة بل دول. وكانت عيونها ترصد كل من خالف تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، أيًّا كان عِرقه وجنسه ومذهبه. والمحكمة جهة منظمة لها مبادئ وأهداف؛ لم يذكر التاريخ شيئًا عبثيًّا عن أحكامها ولا عُرفيًّا، بل كان لدى المتّهم حقّ الدفاع عن المبدأ والفكر والعقيدة، ما لم يصرّ على مخالفة تعاليم الكنيسة الكاثوليكية! لذا كان على المخالف أن يتصرّف بحكمة إذا ما أحسّ بحكم الموت مقتربًا من جسده وهو لا يتقبّل الحكم أو يخاف الموت، أي كان عليه التراجع، تحت هذين الضغطين، عن فكرته أو بدعته. وما أدراك ما أبدع المبدعون آنذاك وما هرطق المهرطقون! هوذا في وقتنا يتمّ عقد زواج مثليّين في كنائس مُعارضة "بروتستانتية" على رغم الآية الصريحة في الإنجيل التي حذَّرت بشدّة من مضاجعة المِثليِّين: { الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك الى الأبد آمين. لذلك أسلمهم الله الى أهواء الهوان. لأنّ إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة. وكذلك الذكور أيضًا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكورًا بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق- رومية 1: 25-27 وكورنثوس الأولى: 6 وتيموثاوس الأولى: 1} أفلا يحق للجهات المختصّة والمعنيّة أن تحاسب القائمين على تلك "الكنائس" قبل معالجة الزناة كما يجب؟ هذا إذا لم يكن القائمون أنفسهم من المِثليِّين، بغضّ النظر عن احتماليّة وجود قسّ مِثليّ في كنيسة أصليّة! إلّا أنّ هذا المذكور أخيرًا من الحالات النادرة وهو يعرف بأنه شاذّ فلم يصبّ نار شذوذه على أحد في رعيّته وإلّا لاٌستغنت الكنيسة عن خدمته حال انفضاح سرّه ليخلع تاليًا ثوب الكهنوت. لأنّ المنطق الإلهي يدعو إلى معالجة الزناة وسائر الخطأة. فقد قال الرَّبّ: {لا يحتاج الأصحاء الى طبيب بل المرضى. لمْ آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة الى التوبة- مرقس 17:2 وفي متّى 12:9 ولوقا 31:5} وكما سبق؛ لم تعتذر الكنيسة الكاثوليكية عن أحكامها آنذاك بشكل عام، إنما بشكل خاص، مثالًـا: غاليلو؛ فُرضت عليه إقامة جبرية ولم يُعدَم! (4) وقد استمرّت النهضات العلمية والصناعية والزراعية على رغم صرامة تلك المحاكم. ومن بين العلماء قسس ورهبان. فإذا ما أجرينا مقارنة منطقية بسيطة بين ما حصل أمس، الذي وُجِّهت ضدّه اليوم إدانة واستنكار، وبين ما جرى في الأمس القريب من أحكام عرفية ومِن قتل على الهوية، سواء ما دِينَ منه وما لم يُدَنْ، وبين ما يحدث اليوم من فظاعة وبشاعة، نجد تلك المحاكم أرحم بكثير. وفي النهاية؛ لن يجد المعترض نصًّا صريحًا في الكتاب المقدّس تحت عنوان: محاكم التفتيش. لكنّ القضاء موجود والمحاكم الكنسيّة لا تزال موجودة بهيئات مختلفة، شأنها شأن القضاء المدني، إلّا أنّ صلاحيّة كلّ منها اليوم لا تصل إلى درجة إصدار حكم بالحبس أو الإعدام، إنما الحرمان من دخول الكنيسة أو الخلع كأصعب عقوبة. فكيف يدخل إلى كنيسة من خالف تعاليمها؟ عِلمًا أنّ في العهد القديم من الكتاب المقدس سِفرًا تحت عنوان: القضاة. (5)
الاستعمار الغربي
إن الاستعمار كلمة بغيضة أيًّا كان المستعمر. وغالبًا ما يغض المسلم بالنظر عن الاستعمار الإسلامي، إذ يعتبره فتحًا مُبينًا لأنّه مؤيَّد بنصوص قرآنية، مشيرًا بأصابع الاتهام إلى الاستعمار الغربي (6) من البرتغال وإسبانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا الذي احتلّ الأرض بدون وجود نصّ مسيحي واحد مُحفِّز ولا مؤيِّد، بعد الغزوات الإسلامية بزمن طويل وتحديدًا خلال القرن الخامس عشر. لكن أولئك المستعمرين بنوا الأرض وصنّفوا بلدانًا كثيرة، العربيّة منها وغير العربيّة؛ عَمَّروها ومَدَّنوها، إذ عبّدوا الطرقات ومدُّوا سكك الحديد وشادوا المستشفيات والمدارس والجسور... إلخ حتّى تمنّى عدد ما من العرب عودتهم. ومن المستعمرين مَن بشّر بالإنجيل ونشر ديانة المحبّة التي أتى بها السيد المسيح. وإلّا لما بزغت شمس المسيحية على أميركا، مثالًـا لا حصرًا، الشمالية منها والوسطى والجنوبية. وهذا دليل قوي على إنسانيّة المستعمرين القادمين من الدول المذكورة. فشتّان ما بين الإستعمار الغربي والإستعمار الإسلامي! وما آذى المستعمرون الأوروبيون إلّا مقاوميهم الثائرين عليهم. أمّا الحربان العالميتان الأولى والثانية فلا توجد آية واحدة في الكتاب المقدّس كلّه لدعم اصطلاحات بمعنى الفاشية والنازية وغيرها! إنما العكس تمامًا، إذ خيّم الاضطهاد على المسيحيّين منذ القرن الميلادي الأوّل إلى اليوم. لكنّ المستعمر الأوروبي لم يهدم مسجدًا إسلاميّا واحدًا لسبب ديني ولا حوّل جامعًا إلى كنيسة، مثلما فعل المسلمون عبر التاريخ! فليقارن المعترض بعدل ونزاهة.
أفريقيا الوسطى
وهنا من يتذرع بما حصل في جمهورية أفريقيا الوسطى (7) من اضطهاد ضد مسلمين وهو لا يدري كيف استعمر مسلمو الأمويّين والعبّاسيّين شماليّ أفريقيا حتّى الأندلس باٌسم إله الإسلام وسُنّة رسوله! ولا يدري بأن منظمة سيليكا الارهابية، نحو 25 ألف مقاتل، هي التي بدأت العدوان على غرار بوكو حرام النيجيرية، إذ أطاحت بالرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزيه واستبدلته برئيس مسلم تولّى الحكم بعد سيطرة قواته على العاصمة وعلى القصر الرئاسي، ما أدّى إلى فرار الرئيس المسيحي في 24 مارس 2013 فناصرته ميليشيات مسيحية تدعى أنتي بالاكا (المناهضة للسيف) مدعومة فرنسيًّا حتّى استطاعت أن توقف سيليكا عند حدِّها، لكن دفع أبرياء من الجانبين ثمنا باهضًا. ومن أراد فليقرأ تقارير عبر الانترنت لأزْيَد من منظمّة حقوقية اتَّهَمت متمّردي سيليكا بانتهاك حقوق الإنسان في إفريقيا الوسطى. وغالبًا ما صوّر المسلمون أنفسهم للعالم كضحيّة في وقت هم الذين تسببوا بالبلوى، كأن العالم غبيّ لا يعرف أين علّة الداء وأين مصدر الوباء.
ولهذا السبب وذاك حظرت أوغندا الديانة الإسلامية على أراضيها لما فيها من نصوص إرهابية، سواء أكانت نصوصًا قرآنية أم أحاديث صحيحة. وما عادت نصوص الإرهاب خافية على الداني والقاصي بعدما افتخر بها شيوخ الإرهاب الإسلامي وعلى رأسهم الظواهري خليفة ابن لادن. بل صارت الايديولوجيا الاسلامية مفهومة لكثيرين في الشرق والغرب ما يمكن تلخيصه بالتالي- في رأيي وبحسب فهمي؛
تمَسْكَنْ أيّها المسلم واٌصبِرْ، لأنّ فئتك اليوم قليلة بالعدد والعتاد، مبشّرًا بـ "آيات" القرآن المَكّيّة المسالمة وممارسًا الكذب والتقية، إلى أن تتمكّن غدًا "بإذْنِ اللَّه" من فتح البلدان التي مَنّ بها "الله" عليك في الشرق والغرب، مُستعِينًا بـ "آيات" مدنيّة نسخت تلك المَكّيّة، مبشِّرًا بها ومُنذِرًا. فلا بدّ من أن تحرص على إلغاء العمل بالمَكّيّة حال تمكّنك مِن الذين اعتُبِروا كُفّارًا في الفقه الإسلامي: (فلَمّا جاوزهُ هُوَ والّذِينَ آمَنوا مَعَهُ قالوا لا طاقةَ لنا اليوم بجالُوتَ وجنودِهِ قالَ الَذينَ يَظُنُّونَ أنّهُم مُلاقُوا اللّهِ كم مِن فئةٍ قليلة غَلَبَتْ فئةً كثيرة بإذْنِ اللَّه واللّهُ مع الصّابرين) – البقرة: 249 وتنبّهوا جيّدًا يا مسلمون: (فلا تَهِنُوا وتدْعُوا إلى السَّلْمِ وأنتُمُ الأعلَون واللّهُ معكمْ ولن يَتِرَكُمْ أعمالَكُمْ) – محمد:35 واٌذهبوا إلى تفاسير الطبري والقرطبي وابن كثير... وارصدوا أفعال داعش وأقوالها لتفهموا دينكم أكثر بالصوت والصورة.
كلمة أخيرة
أسأل الرب يسوع أن يُعين المُهجَّرين من ديارهم. وأسأله أن يثبّت المتنصِّرين في الإيمان ويقوّيهم ضدّ مضطهِديهم، ولا سيَّما مَن يطلب إليهم أن يُنكروا السيد المسيح له المجد، ويرشدهم إلى جهة الأمان. ولا بدّ من أن يردّوا بحكمة أو يصمتوا لأن الرب يدافع عنهم وله النقمة: {لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحبّاء، بل أعطوا مكانًا للغضب، لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب- رومية 19:12} كما ورد: { الرَّبُّ يُقاتِلُ عنكُمْ وأنتُمْ تَصْمُتُون} - سِفر الخروج 14:14
1
تأمّل-ي في الردود المسيحية على "العنف في العهد القديم" في گوگل وغيره
2
القصة الحقيقية للحملات الصليبية، تقديم وتعريب: الأب د. يوأنس لحظي جيد
http://coptcatholic.net/p10197/
3
أنظر-ي "الدولة السلجوقية" في ويكيبيديا
4
أدعو إلى مراجعة سيرة غاليليو غاليلي
5
ذهب أغلب المحقّقين إلى أنّ مؤلِّف سِفر القضاة هو صموئيل النبي. وقد سُمِّيَ سفر القضاة لأنّ فيه شرح أخبار بني إسرائيل في الفترة التي كانوا تحت سياسة القضاة المنتخَبين غالبًا من الله جلّ شأنه وقدره. وكان القضاة يقضون في كلّ شيء بموجب التوراة.
6
إبحث-ي: استعمار
7
إقرأ-ي: افريقيا الوسطى