تخص هذه الوقفة حِفظ كلام الله؛ 1. المباشر، منه ومن ملائكته، إلى رجال الله، الأنبياء منهم وغير الأنبياء 2. الموحى به من الله.
فمِن رجال الله الأنبياء: موسى وداود وحزقيال وغيرهم. عِلمًا أنّ النبوّات لم تقتصر على الرِّجال فحَسبُ! بل تنبّأت النساء أيضًا (1) وإن لم تَكتُبْ إحداهنَّ سِفرًا، عِلمًا أنّ في العهد القديم سِفرًا بإسم امرأة من غيرهنّ، وتحديدًا: سِفر راعوث. أمّا الأتقياء ممّن لم يوصفوا كأنبياء في العهد القديم: إبراهيم الخليل وإسحق ويعقوب (إسرائيل فيما بعد) وأيّوب ويشوع بن نون وغيرهم كثير. وممّن لم يوصفوا كذلك في العهد الجديد: يوسف البارّ (متّى 1: 19) خطيب مريم أمّ يسوع وسِمعان الشيخ (لوقا 2: 25) بينما شَمِل كلامُ الله- الموحى به- النبوءات والرؤى والأحلام والإعلانات السماوية. وقد حَفِظ رجالُ الله من بني إسرائيل كلامَ الله، ابتداء بتوراة موسى وانتهاء برؤيا يوحنّا الإنجيلي.
فلماذا حَفِظ كلامَ الله بنو إسرائيل دون غيرهم؟ والجواب، باختصار شديد، هو أنّ شعب إسرائيل كان الوحيد الذي عبد الله بين جميع الشعوب، الوثنية في ذلك الحين، وإن حادوا، في ما بعد ومِرارًا، عن طريق الله باتجاه آلهة وثنية، حتّى عاقبهم الله بعقوبات قاسية، فهلك منهم مَن هلك ولكن نجا مَن نجا! لأنّ الله قصد تأديبهم ولم يقصد فناءهم. مثالًا: {وأيضًا في تلك الأيام، يقول الرب، لا أفنيكم. ويكون حين تقولون: لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه؟ تقول لهم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم، هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست لكم}+ إرميا 5: 18-19
ومن المنطق أن {يختار} الله من أتقيائه لحفظ كلامه والعمل بوصاياه وأحكامه، وتاليًا نقله إلى أولادهم وتحفيظهم إيّاه إلى الأبد. ومن المنطق أيضًا اختيار الله مجيءَ المسيح المخلِّص من نسل إسرائيل المؤمن بالله، وليس من نسل شعب وثني، أيًّا كان. والجدير ذكره بالمناسبة هو أنّ السيد المسيح أيضًا قد {اختار} تلاميذه من بين اليهود الذين آمنوا به واٌتّبَعوه، ولاحقًا نشروا أخبار مجيئه ومحبته وتعاليمه ومعجزاته وآلامه وقيامته. نشروها، هم وسائر الرسل السبعين الذين {اختارهم} المسيح. عِلمًا أنّ منهم الذين دوّنوا العهد الجديد خلال القرن الميلادي الأوّل، باستثناء لوقا إذْ كان أمميًّا ولم يكن يهوديًّا، لكنّ الذي تلمذ لوقا هو بولس الرسول، ذو الخلفية اليهودية بامتياز.
1 حِفظ كلام الله في العهد القديم
إليك أمثلة من أربعة أسفار في العهد القديم؛
1. التوراة\ سِفْر التثنية: الأصحاح الرابع.
2. سفر يشوع 1: 8 لا يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نهَارًا ولَيْلا، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ.
3. سفر أشعياء
يَبِسَ العُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فتَثْبُتُ إِلَى الأَبَد. 40: 8
هكذا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخرُجُ مِنْ فمي. لا تَرْجعُ إِلَيَّ فارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وتَنجَحُ فِي مَا أَرسَلتُهَا لَهُ. 55: 11
أَمَّا أَنا فهذا عَهْدِي مَعَهُمْ، قالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ في فمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فمِكَ، وَلا مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، ولا مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وإِلَى الأَبَد. 59: 21
4. سفر إرميا 1: 12 فقالَ الرَّبُّ لي: أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا.
لعلّ من الواضح أنّ كلام الله محفوظ في عقله ولم يحفظه في مكان ما، في السماء أو الأرض. كما أنّ الله لا يحتاج إلى ملفّ لحفظ كلامه ولا لوح كتابة، لأن الله لا ينسى وأنّه يعرف ما يريد في كل زمان وكلّ مكان. ومن خصائص كلام الله رصانته ودقّته وثباته ودقّة توقيته، فغير جائز فيه التغيير أو التبديل أو التحريف (2) أو الزوال. أمّا كلام الإنسان فمن خصائصه الافتراض والتغيير والتعديل وغيره. فشَتّان ما بين الخصائص الإلهية وبين الخصائص الإنسانية. وتاليًا ما الفائدة التي يجني الإنسانُ من حِفظ اللهِ كلامَه في مكان ما بعيدًا عن الإنسان؟ إنما صار كلام الله محفوظًا في قلوب مَن سَمِعوه وحفِظوه في صدورهم ودوَّنوه في أسفارهم وعَمِلوا به وعَلَّمُوه أَوْلاَدَهُمْ وتاليًا أولاد أولادهم.
2 حفظ كلام الله في العهد الجديد
نقرأ في بداية إنجيل متّى\ الأصحاح 23
حِينَئِذٍ خاطَبَ يَسُوعُ الجُمُوعَ وتلاَمِيذهُ، قائِلا: {عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ والفَرِّيسِيُّونَ، فكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فاحْفَظُوهُ وافْعَلُوهُ...} وهذا الخطاب من الأدلّة على أن السيد المسيح أقرّ المدوَّنَ في الناموس (أي الشريعة اليهودية) والمسيح قال: {لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ}+ متّى 5: 17
وقد وصف بقاء الناموس ساري المفعول بقوله: {إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ}+ متّى 5: 18
وتاليًا بقاء كلامه قائلًا: {اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ}+ متّى 24: 35 ومرقس 13: 31 ولوقا 21: 33
بل قال أيضًا: {ولكن زوال السماء والأرض أيسرُ مِن أنْ تسقط نقطة واحدة من الناموس}+ لوقا 16: 17
ونقرأ في نهاية الإنجيل بتدوين متّى أنّ يسوع، بعد قيامته من الموت وقُبَيل ارتفاعه إلى السماء، كلّم تلاميذه قائلًا: {دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وعَلَى الأَرْضِ، فاذهَبُوا وتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وعَمِّدُوهُمْ بِاٌسْمِ الآب والابْنِ والرُّوحِ الْقُدُسِ. وعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وهَا أَنا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انقِضَاءِ الدَّهْرِ} آمِينَ.
وفي كلام المسيح هذا دلالة واضحة على استحالة مجيء نبي جديد بعد المسيح، باستثناء الأنبياء الكذبة الذين تنبّأ الكتاب المقدَّس بمجيئهم، عِلمًا أنّ يسوع قال لليهود {اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى المَوْتَ إِلَى الأَبَد}+ يوحنّا 8: 51
وعِلمًا أنّ اليهود، ومنهم الكهنة والفَرِّيسِيُّون، كانوا يحفظون كلام الله، بتأكيد العهد الجديد أيضًا. فنقرأ مثالًا أنّ الشّابّ اليهودي الغني اعترف ليسوع بأنه يحفظ وصايا الله: {هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فمَاذا يُعْوِزُني بَعْدُ؟}+ متّى 19: 20 ومرقس 10: 20 ولوقا 18: 21
وإليك مثالًا آخر: {وأَمَّا مَرْيَمُ فكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِها}+ لوقا 2: 19 و51 ومعلوم أنّ مريم أمّ يسوع امرأة يهوديّة. فكَانَتْ تَحْفَظ الكلام سواء كلام الله وكلام يسوع. ولا يختلف عاقلان اثنان، بعد ما تقدَّم، على أنّ كلام الله وكلام يسوع واحد. وقد أثنى يسوع على سامعي كلام الله وحافظيه بقوله: {طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كلامَ اللهِ ويَحْفَظُونَهُ}+ لوقا 11: 28
وإليك تأكيدًا ما ورد في رسالة بطرس الأولى: {وأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. وَهذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا}+ 1بط 1: 25
وفي رؤيا يوحنّا: {لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذا الْكِتَاب: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذا الْكِتَابِ. وإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذا الْكِتَاب}+ رؤيا 22: 18-19
3 حفظ الكلام، المنسوب إلى الله، في القرآن
لقد اقتطفت التالي من صفحة ويكيپيديا- اللوح المحفوظ- بتصرّف، باحثًا عن تفسير الوارد في سورة البروج: ﴿بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجِيد 21 في لَوْحٍ مَحفُوظ 22﴾ ومدقِّقًا فيه. فمَن أراد-ت مراجعة النصّ كاملًا فليضع [اللوح المحفوظ] على بحث ويكيپيديا لكي يقرأ المزيد:
1. [هو مصطلح في العقيدة الإسلامية يدلّ، بشكل عام، على أداة حَفِظَ بها اللهُ مقاديرَ الخلق قبل أن يخلقهم وهو مستودعٌ لمشيئاته. ظهر في القرآن بشكل مباشر في سورة البروج. كما ظهر في "آيات" أخريات بشكل غير مباشر. وتم تفسير معنى اللوح المحفوظ في الأحاديث النبوية وعن طريق مفسّري القرآن والسّنّة. وهناك مِلل أخرى فسّرته بحسب معتقداتها]
وتعليقي: يبدو لي أن إله القرآن كان بحاجة إلى لوح لحِفظ كلامه وبرنامج أعماله. وأرى في نسب هذا اللوح إلى الله إساءة إلى شأن الله العليم بكلّ شيء الذي لا يمكن أن ينسى كلامه.
2. [فسَّره الطبري على أنه إمّا لوح منقوش حماه الله من الزيادة والنقصان أو أنه على جبهة إسرافيل. وأضاف ابن كثير: لوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافّتاه الدر والياقوت ودفّتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه معقود بالعرش وأصله في حجر ملك]
وتعليقي: سأذهب بعد قليل إلى تفسير الطبري. ويبدو أن إسرافيل إسم أحد الملائكة، لكنه غير مذكور في الكتاب المقدَّس، بحسب عِلمي. أمّا إضافة ابن كثير، غير المنطقية في رأيي، فلا برهان عليها! وتاليًا؛ ما الذي يمنع من رؤية لوح بهذا الحجم، بعد هذا الوصف المادّيّ؟ فالرؤية حينئذ ممكنة إمّا بالعَيْن المجرّدة أو بأقوى تلسكوب.
3. [وعند الشيعة؛ المقدَّرات الإلهية محفوظة في كتابين هما كتاب اللوح المحفوظ وكتاب المحو والإثبات. فمحتوى الأول لا يمكن تبديله أما الثاني فيبدل بحسب تصرفات الإنسان ودرجة إيمانه]
وتعليقي أوّلًا: هل المقصود أنّ الكتاب الأوّل محفوظ في مكان ما في السماء؟ مثالًا التالي المقتطف بتصرف ممّا في تفسير القرطبي: (إنّ اللوح محفوظ عن يمين العرش. محفوظ من وصول الشياطين إليه. وإنّ اللوح الهواء؛ فوق السماء السابعة) انتهى.
ثانيًا: كيف يمكن تبديله؟ ففي سورة النحل:101 (وإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ واللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ...) وممّا في تفسير الطبري: (يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغيِّر مِن أحكامه) انتهى. وقد أوضحت أعلى أن كلام الله العليم بكل شيء دقيق حتّى في توقيته، فلا يمكن أن يغيّر كلامه أو يبدّل أحكامه.
ثالثًا: أمّا فرضية الكتاب الثاني التي تشير إلى سورة الرَّعد:39 ﴿يَمْحُو اللّهُ ما يَشَاء وَيُثْبِتُ وعِندَهُ أُمُّ الكِتاب﴾ وهو الحاوي على (المقدَّرات الإلهية) فتدلّ، بحسب فهمي، على أنّ الله لا يدري ما سيقع من أحداث على الأرض وعلى الإنسان، ولا يستطيع تقدير احتماليّة وقوعه ولا تحديد وقت الحدث. وأرى في قول القرآن "يَمْحُو اللّهُ ما يَشَاء وَيُثْبِتُ" افتراء على علم الله، كأنّ الله لا يدري ما الصواب، سواء في قوله وفي عمله.
4. [وفي المسيحية: يذكر في الإنجيل مصطلح "سفر الحياة" الذي يعتبره البعض أنه اللوح المحفوظ إذ ورد في سفر الرؤيا ١٧- ٨: الذين ليست اسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم]
وتعليقي: إليك أوّلًا الآية السابقة: {ثُمَّ قالَ لِي الْمَلاَكُ: لِمَاذا تَعَجَّبْتَ؟ أَنا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ والْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا...} ثمّ تلتها: {الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كانَ ولَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ ويَمْضِيَ إِلَى الهَلاَك. وسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْض، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَم، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ}+ رؤيا 17: 8
وثانيًا؛ ألا يدلّ ما اعتبَرَ هذا (البعض) على أنّ مؤلِّف القرآن اقتبس فكرة "اللوح المحفوظ" من "سِفر الحياة" الوارد في سِفر الرؤيا، أم أنّ أحدًا منهم لم يجرؤ على التصريح بهذا، خوفًا من سيف الإسلام الظالم عبر التاريخ؟ فقد ثبت أن المؤلِّف المذكور قد اقتبس ما اقتبس، سواء مِن الإنجيل ومِن التوراة ومِن كتب يهودية غير مقدَّسة كالمِشناه במשנה والمدراش מדרש ومن غيرها. ولم أقل "سرق ما سرق" تأدُّبًا ولاحترام بعض المشاعر.
5. [وفي اليهودية: هناك من ربط فكرة "لوائح موسى" باللوح المحفوظ مع الإختلاف، إذ ربطوا بين احتواء الإثنين على قوانين الله. إذ ورد في سفر الملوك الاول 8 - 9 وفي رسالة العبرانيين 9 - 3 و4 أن لوحي موسى حُفِظا في تابوت العهد الذي صنعه موسى حسب أمر الله وهو معنى اللّوح المحفوظ، أو بالحري معنى اللوحين المحفوظين]
وتعليقي: دعني أصحِّح لك أوّلًا- حضرة المحرِّر- لأنّهما لوحان من الحجر، بصيغة المثنّى. أمّا لوائح: جمع لائِحة. عِلمًا أنّ موسى كسر لوحَي العهد أمام أعين الشعب العِبراني: {فَنَظَرْتُ وإِذا أَنْتُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ، وَصَنَعْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ عِجْلاً مَسْبُوكًا، وزُغْتُمْ سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الرَّبُّ. فأَخَذْتُ اللَّوْحَيْنِ وطَرَحْتُهُمَا مِنْ يَدَيَّ وَكَسَّرْتُهُمَا أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ}+ التثنية 9: 16-17
وتاليًا؛ إليك نصّ آية سِفر الملوك الأول 8: 9 {لَمْ يَكُنْ فِي التَّابُوتِ إِلاَّ لَوْحَا الْحَجَرِ اللَّذَانِ وَضَعَهُمَا مُوسَى هُنَاكَ فِي حُورِيبَ حِينَ عَاهَدَ الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ} وإليك أيضًا نصّ الآيتين معًا في الرسالة إلى العبرانيين 9: 3-4 {ووَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «قُدْسُ الأَقْدَاسِ» فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، ولَوْحَا الْعَهْد} وتاليًا؛ كتب الله وصاياه على اللوحين المذكورَين لكي يحفظهما موسى النبي وسائر العِبرانيّين في تابوت العهد، وهو تابوت مادّيّ، فلم يكتب عليهما الله ليحفظهما عنده في مكان ما، لا في السماء ولا في الأرض، بل عند الناس. فشتّان ما بين حِفظ لوحَي الشريعة الموسويّة وبين حِفظ لوح القرآن.
6. [وفي السومرية: اعتقد السومريّون بوجود ألواح طينية محفوظة في السماء عند الآلهة]
وتعليقي: أحترم عقول السومريّين وزمانهم، إذ عاشوا قبل الميلاد بآلاف السنين ولم يدركوا زمن مجيء السيد المسيح.
7. وفي الإيزيدية: أنها تؤمن بوجود لوح محفوظ عند إله الأيزيدية]
وتعليقي هو أنّ كل إنسان حُرّ في ما آمَن، إلّا إذا ضرّ غيره بشيء ما؛ كأن يكفّره، أو يغزوه ليسرق ماله وحلاله ما لم يقتله، أو يستعبده ويسبي نساءه، أو يهجّره، أو يفرض الجزية عليه... وانتهى الاقتطاف من ويكيپيديا.
وسأختم مقالتي، مقتطفًا ممّا في تفسير الطبري سورة البروج: 22: [واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (مَحْفُوظٍ) خفضًا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ. وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل: في لوح محفوظٍ من الزيادة فيه والنقصان منه عمّا أثبته الله فيه. أمّا (مَحْفُوظٌ) رفعًا، ردًّا على القرآن، على أنه من نعته، كان معنى ذلك على القراءة: محفوظٌ من التغيير والتبديل في لوح. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، صحيحتا المعنى، فبأيّتِهِما قرأ القارئ فمُصِيب. وقد حدثنا... عن مجاهد (فِي لَوْحٍ) قال: في أمّ الكتاب. حدثنا... عن قتادة (في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) عند الله] انتهى
وتعليقي على قول الطبري (فبأيّتِهِما قرأ القارئ فمُصِيب) هو أنّ ما يهمّ القارئ-ة القراءة الصائبة التي في اللوح، المحفوظ عند إله القرآن. فهل هذه الصفة "محفوظ" مرفوعة في اللوح المزعوم، بحسب قواعد اللغة العربية، أم مجرورة؟ والجواب المعتاد: (الله أعلم) أو: (الله ورسوله أعلم) عِلمًا أنّ تدوين القرآن الأصلي تمّ بلا تنقيط ولا تشكيل! لذا لا يمكن لإنسان عادي حِفظ لغة ما لا يتقنها أهلها ولا يعرفون وجه الصواب فيها، فكيف حفظها إله القرآن؟ ولماذا اختارها من بين لغات أسهل قطعًا وأوضح وأدقّ؟ فمثالًا اللغة اليونانية.
1 لطفًا مراجعة مقالة الكاتب: هؤلاء ما سمّاهم الكتاب المقدّس أنبياء- ج 1
2 إنّ لَمِن المُفلِسين القدامى منهم والجدد: الذين ادّعوا بتحريف الكتاب المقدَّس. ومن أهدافهم أوّلًا: إجبار أهل كتاب الله على قبول الإسلام دينًا وعلى اعتبار مؤسسه رسولًا من عند الإله الذي يعرفون. وحاشا الإله الذي عَرَفوا مِن تحريف كلامه وتغيير خطّته، بعد مضيّ قرون على ختم الكتاب المقدَّس ومهما طال الزمن. وثانيًا: محاولة منع المسلمين من اكتشاف كلام الله الصحيح بعد قراءة الكتاب المقدَّس، لأسباب دينية وسياسية واقتصادية. وهذه المقالة لم تهتمّ بإفلاسِهم؛ إذ سبق لغيرها أن ردّت بامتياز، بتفصيل وإسهاب وإطناب. فليس التكرار من بلاغة كاتب هذه المقالة. ومع ذلك؛ إليك مثالًا "دراسة مختصرة" من تعب محبّة "الكلمة.نت" تحت العنوان التالي: هل الكتاب المقدَّس محرف؟
http://www.alkalema.net/articl/halbible.htm
• تمّت كتابتها مساء الأحد الموافق الرابع من أكتوبر 2015