(مرقس 1: 15)
هذه الوصية أو هذا الأمر الإلهي جاء على لسان الرب يسوع نفسه وفي آيتنا أعلاه جمع المسيح الإيمان والتوبة، هكذا بدأت الكرازة بالإنجيل وهكذا يجب ان تستمر: "توبوا وآمنوا" وسنتناول في هذا المقال موضوع الإيمان وسنترك الكلام عن التوبة في الجزء الثاني ان تأنى الرب.
الإيمان عرّفه الكتاب المقدس: " وأمّا الإيمان فهو الثّقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى "( عب 11: 1). وهذا يعني أنّ كلّ ما علّمنا إيّاه الكتاب عن الخلاص وعن القيامة والحياة الأبديّة والخلود... الخ. وإن دخل في عالم الغيب بالنّسبة لنا. يجب أن نصدّقه ونثق به لكونه كلمة الله الصّادقة. فالإيمان يعني أن نصدّق كلّ كلمة وردت في الكتاب المقدّس. " صادقة هي الكلمة ومستحقّة كلّ قبول "( 1تي 1: 15).
الشّيطان يؤمن بالله إيمانا مطلقا ويؤمن أنّ المسيح هو ابن الله. وها أنّ شيطان كورة الجدريّين يقول للرّبّ يسوع: " ما لنا ولك يا يسوع النّاصريّ أتيت لتهلكنا، أنا أعرفك من أنت، أنت قدّوس الله "( مر 1: 24 ). فكلّ من يؤمن بالله ولا يعمل بما يقتضيه هذا الإيمان فإيمانه يندرج تحت هذا العنوان ( الإيمان المزيّف ). لأنّه يتّفق وإيمان الشّياطين. جاء في قاموس الكتاب أنّ الإيمان يتطلّب ثلاثة أمور:
- اقتناع الفهم.
- تسليم الإرادة.
- ثقة القلب.
وهذه هي أعمدة الإيمان، والرّبّ يسوع المسيح مخلّص العالم هو موضوع هذا الإيمان. قال الكاتب ازوالد سميث ( لم أكن قد سمعت قط بغير المسيحيّين. الناس كلّهم مؤمنون، كان بعضهم سكيرين وبعضهم الآخر يجدفون ويلعنون، كما مارس بعضهم السرقة ولم يعلنوا يوما أنهم غير مسيحيين، بل كانوا جميعا من المؤمنين. كما أنني لم أعرف متشككا في حقيقة وجود الله وكلمته. ومع ذلك كان هناك ملايين من المؤمنين غير المخلّصين ).
إنّنا سنفاجأ في اليوم الأخير برؤية مؤمنين ممّن كنا نظنّهم في السّماء فإذا هم في الجّحيم. " كلّ من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبّه برجل جاهل بنى بيته على الرّمل "( مت 7: 26). سيتهدّم هذا البناء عليه، وكلّ من يؤمن ويطيع فإيمانه إيمان حقيقيّ " كلّ من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبّهه برجل عاقل بنى بيته على الصّخر "( مت 7: 24 ). أي على صخر الدّهور الرّبّ يسوع وسيحيا معه إلى الأبد. اقرأ الاصحاحات الخامس والسّادس والسّابع من إنجيل متّى.
نؤمن بمعموديّة واحدة وكنيسة واحدة. وبالمسيح ربّا وسيّدا على حياتنا وأنّه " أسلم من أجل خطايانا وأقيم من أجل تبريرنا " (رو 4: 25 ). ونؤمن أنّه سيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات وأنّ لا فناء لملكه وأنّنا سنملك معه إلى الأبد.
يجب أن نعلم أنّ الإيمان لا يأتي فجأة بل يتمّ على مراحل متقاربة أو متباعدة. جاء في كتاب الدين أم الحياة للكاتب ازوالد سمث ( في الخلاص بالإيمان درجات ثلاث ):
أ – اسمع: "لأنّ كلّ من يدعو باسم الرّبّ يخلص... وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به وكيف يسمعون بلا كارز وكيف يكرزون إن لم يرسلوا "( رو10: 14 و13).
ب – آمن: وهذه الكلمة تعني بكلّ بساطة اقتنع بالحقيقة عقليّا. وجاء في القاموس عن تفسير كلمة آمن: أي وافق بالعقل... والشياطين يؤمنون ويقشعرون... إيمانهم أقوى وأشدّ ولا يداخلهم أيّ شكّ في ربوبيّته ولكن إيمانهم عقليّ محض وإيمانهم هذا لا يغيّر شيئا في حياتهم فهلاكهم أبديّ وهم لذلك يرتجفون.
ج – ثق: وهي الدرجة الوحيدة التي تخلّص. ضع ثقتك في الرب يسوع هذه لا صلة لها بالعقل بل بالإرادة وتستوجب قرارا إذ أن جماهير كثيرة آمنت ولم تثق... الثقة تنفي المجهود وأنتم عندما تجهدون أنفسكم فإنّكم لا تثقون... قد تؤمن كلّ الإيمان دون أن تنال شيئا ولكنّك في لحظة وضع ثقتك بالمسيح عندما تهبه نفسك وتسلّمه قلبك وتتكل عليه، في تلك اللحظة ستنال كلّ شيء وليس قبل.
جاء في كتاب لبّ الإنجيل للكاتب أوزوالد سمث ( الخلاص هبة مجانيّة " أما هبة الله فهي حياة أبديّة " رو 6: 23. فماذا عليك أن تفعل أو ماذا يمكنك أن تفعل لكي تكسب هبة ما؟ فإذا دفعت ثمنها زالت عنها صفة الهبة. وإذا كنت تأتي عملا ما لتكسبها كحق لك فلم تعد هي هبة بعد. لأن الهبة مجانيّة وهكذا الخلاص مجّانيّ... ثم يقول أيضا. وكذلك أنت تعرف بفكرك أن يسوع قادر أن يخلّصك ولكن لن يأتي إليك هذا الخلاص. إن لم تحوّل معرفتك هذه إلى ثقة عمليّة فتتكل على المسيح ( أي تثق ) فالثقة العمليّة القلبيّة هي التي تخلّص وهذا ما يقوله الكتاب المقدّس صريحا. قد يخطر لك أن تقول: بما أن الله قد أعدّ لي الخلاص فليس عليّ شيء لأفعله. يا له من خطأ فاحش ألست ترى أنه ينبغي أن تقبل عطيّة الله؟ يعلّمنا الكتاب أن الخلاص قد أعدّ، وعليك أن تقبله. قد يفعل الطّبيب شيئا واحدا وهو أن يصف الدّواء. ولكن ما قيمة الدّواء إذا لم تأخذه؟ ينبغي أن تقبل المسيح إذا رغبت بالخلاص " وأما كل الّذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه " (يو 1: 12 ).
الإيمان الحقيقي يثمر أعمالا صالحة تليق بنا كأولاد الله الصّالح... هذه الأعمال هي ثمرة الإيمان وحذار أن تعتقد أنّ الأعمال الصّالحة تخلّصك. بل واجب عليك أن تعملها لأنّك خلصت كما أسلفنا. جاء في كتاب ( لبّ الإنجيل ) و كتاب ( الدين أم الحياة ) لازوالد سمث ما يلي ( قد تكون من أنشط أعضاء الكنيسة... غير أن هذا النشاط لا يوفر الخلاص. إن الإيمان والصلوات ونكران الذات ودفع العشور والندامة والدموع كلها أعمال صالحة في حدّ ذاتها ولكنها لا تخلّص. وليس بإمكان أيّ إنسان أو راع أو كاهن أن يخلص إلاّ بالمسيح... لأن الخلاص هو عطيّة الله بالمسيح ولا يستطيع أحد أن ينالها إلاّ منه وذلك بالإيمان. ولدينا أمثلة في الكتاب تؤيّد ذلك والآيات التالية تجزم بأن الخلاص هو في المسيح يسوع فقط وليس بالأعمال أو التديّن المبني على البرّ الذاتيّ.
" وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السّماء قد أعطي بين النّاس به ينبغي أن نخلص "( أع 4: 12). المسيح والمسيح وحده القادر أن يخلّص... الأخلاق جميلة وأعمال الصّلاح حسنة وكذلك الرّحمة والإحسان وخدمة الكنيسة... هذه كلّها حسنة وجميلة لكنّك لا تستطيع بها الحصول على الخلاص أو كسب نعمة الله. لأنّ الخلاص " ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد " أف 2: 9. كان بولس متديّنا ومن جهة النّاموس بلا لوم. ومع ذلك لم يكن مخلّصا عن طريق تديّنه (اقرأ ماذا قال في رسالة فيلبي الأصحاح الثالث).
يا صديقي. أنّك لا تستطيع أن تخلّص بواسطة أعمال برّك... لو كان بإمكان الأعمال أن تخلّصك لكان لك الحقّ أن تفتخر. والحقيقة أنّ الفضل كلّه والفخر كلّه لله لأنّ الخلاص من الرّبّ. كان نيقوديموس متديّنا ومع ذلك لم يكن مخلّصا (اقرأ قصته في انجيل يوحنا الأصحاح الثالث).
إن عشت أبرّ عيشة ممكنة وقمت بأفضل الأعمال وأطعت القانون الذهبيّ. وراعيت الوصايا العشر بكل دقّة. وبذلت أقصى جهودك فإنّ هذه لا تجديك نفعا... لأنّ الحياة لا توهب بسبب الأعمال الصّالحة، ولأنّك لا تقدر أن تشتري الخلاص. إنّ أعمالك عاجزة عن أن تخلّصك.
الكنيسة لا تقدر أن تخلّصك. والدين ليس بقادر أن يخلّصك. لأنّ الإنسان لا يخلص بواسطة الدين كما أنّه لا يخلص بواسطة أعمال برّه... الخلاص هو عطيّة الله ولا يستطيع أحد نوالها إلاّ بالمسيح وذلك بالإيمان.