إذا تبيّن لنا من دراسة الشخصية المحمدية وجود مرض عصبي فيها، حسب السيرة الحلبية وصحيح مسلم، أدركنا سبب تعالي محمد على الكتاب المقدَّس خصوصًا وعلى البشر عمومًا، معتبرًا نفسه وكيل الله على الأرض، متحكّمًا في مصائر الناس. وأدركنا أسبابًا كثيرة وراء غرابة أقواله وقساوة أفعاله وأسرار محاولته الانتقام من العالم كلّه، بعد تقسيمه إلى معسكرين: مؤمن وكافر، باستثناء "الفرقة الناجية" ومنها المبشَّرون بجنّته المزعومة، مع الأخذ بنظر الاعتبار الصورة التشاؤميّة التي رسمها للإنسان في أزيد من سورة وترهيبه باقتراب نهاية العالم؛ كقوله: (اقتربت الساعة وانشقّ القمر) وقوله: (إذا زلزلت الأرض زلزالها) وقوله: (والْعَصرِ* إنّ الإنسان لفي خُسر* إلّا الذين آمنوا...) وغيرها كثير. عِلمًا أنّ القَسَم بغير الله في قوله (والعصر) يعتبر في الكتاب المقدَّس من الشرك بالله، لأنّ الله قال: {بذاتي أقسمت}+ تكوين 22: 16 ممّا في مقالتي: وقفة بين الكتاب المقدَّس وبين غيره– ج2: القَسَم الإلهي؛ هل حَلَفَ الخالقُ بمخلوق؟ وهذا من الأدلّة القاطعة على أنّ مصادر الوحي بالقرآن لا تمتّ إلى وحي الله بصِلة.
ـــ ـــ
حالة محمد المَرَضيّة (1) حسب السيرة الحلبية
لا تعليل لِما وصل إليه حال محمّد وخياله من تعظيم الذات غير الحالة المَرَضيّة التي لازمته حتّى موته؛ وهي الصرع الذي ظنّ العرب به من علامات نزول الوحي. وهذا ليس كلامي، بل كلام السيرة الحلبية التي نقل عنها الرصافي في "الشخصية المحمدية" ص115 وعن صحيح مسلم أيضًا (2) وفي قول الرصافي حرفيًّا: [من هذه الأقوال وهذه الروايات تستطيع أن تعرف تلك الحالة التي كانت تعتريه وتعرض له قبل النبوّة وبعدها، وأن تتصوّر ما كان يصيبه فيها من البُرَحاء (3) وإذا أمعنّا النظر جيّدًا في أعراضها التي هي الرعدة وشبه الإغماء وتربّد الوجه (4) واحمرار العينين والغطيط (5) كغطيط البكر وتحدّر العرق من الجبين في البرد الشديد وثقل الجسم بحيث لم تستطع الناقة أن تحمله وصيرورته كهيئة السكران وحصول دويّ عند وجهه كدويّ النحل، عَلِمنا أنها ليست إلّا حالة كحالة المصروع لأنّ هذه الأعراض ليست إلّا من أعراض الصَّرْع، وأن كلّ من به صَرع لا يكون إلّا كذلك... إلخ] انتهى.
وتعليقي: لعل الرصافي قصد بالنبوّة "الرسالة" لأني لم أقرأ عن نبوّة منسوبة إلى مؤلِّف القرآن. وإذا افترضنا أنّه تنبّأ بحدوث شيء ما، سواء أتحققت النبوّة أم لم تتحقق، فإنّ محور نبوّات الأنبياء هو المسيح المخلِّص، وهي النّبوّات المقدَّسة التي تكلّم بها الله بألسنة أنبيائه فتحقّقت بمجيء المسيح وبعد مجيئه والتي دوِّنت حصريًّا في الكتاب المقدَّس. وقد شكلت النّبوّات 27% من آيات الكتاب المقدَّس. ففي عَهْدَيه الجديد والقديم 1817 نبوءة مدوَّنة في 8325 آية. لذا فقد انتهى زمن النبوّات المقدَّسة بعد صعود المسيح إلى السماء وبعد ختم الكتاب المقدَّس خلال القرن الرابع الميلادي. فأيّة نبوّة منسوبة إلى أيّ إنسان، بعد ختم الكتاب المقدَّس، ليست مقدَّسة، مثالًا: تنبؤات نوستراداموس. وهذا هو الفرق بين نبوءات الكتاب المقدَّس وبين غيرها.
ـــ ـــ
جذور الادّعاء بتحريف التوراة
بالنظر من زاوية أخرى، على خلاف افتراض حسن النّيّة عند محمد ممّا في القسم الأوّل من المقالة، يصعب التصديق أنّ محمّدًا "ظنّ" إنّما قصد وتعمّد، لأنّ خياله كان واسعًا وقويًّا- حسب كتاب الشخصية المحمدية: قوة خياله ص95- وكان محمد نفسه عبقريًّا في نظر عبّاس محمود العقّاد، فما أساء محمد الظّنّ فيما سمع من روايات، لكن تعمّد إساءة الفهم فأساء النّيّة أيضًا- في تقديري النابع من دراسة وتحليل، ممّا يأتي- مفسِّرًا على مزاجه وعلى مقاس دعوته، كما نوّهت، فانتقى منها ما خدم دعوته ناسبًا ما انتقى إلى الله، بينما شكّك في ما تعارض مع دعوته وطعن، والدليل: اتّهامه الذين هادوا (اليهود) بتحريف الكلم (التوراة)- قول مجاهد في تفسير الطبري- عن مواضعه (النساء:46 والمائدة:13) وبتحريف الكلم مِن بعد مواضعه (المائدة:41) وكان قصد محمد- في قول مجاهد- تبديل التوراة! ممّا في تفسير الطبري النساء:46 وهذا تفسير خطير فيه أزيد من مغزى كما سنرى. بينما قال أبو جعفر أن المعنى: [يبدِّلون معنى التوراة ويغيِّرونها عن تأويله] قلت: كأنّ التبديل لعبة- حاشا- والتغيير مزحة وكأنّ التوراة كتاب عادي من تأليف موسى النبي.
فتأمّل-ي في الدرجة التي وصل إليها خيال محمد ممّا أوحِيَ إليه، بما اختزن في عقله الباطن، لكنّ تردّي حالته الصّحّيّة مع الزّمن جعله مقتنعًا تمامًا بأن هذا الوحي من الله وأنّه من رسله بل مهيمن على جميع الأسفار المقدَّسة التي "نزلت" من قبل. ومعنى مهيمن عليها: مؤتمن عليها، مرتفع عليها. قال ابن عبّاس: (القرآن أمين على كلّ كتاب قبله) وبهذا وضع محمد نفسه مكان الله في التصرّف في ما "أنزل" من قبل. فالأمين على الكتاب المقدَّس والحافظ هو الله وليس أحدًا من عباده.
والدليل القاطع على وصول مرض محمد إلى أسوإ حالاته أواخر حياته هو في مقولته: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكُمْ بَينهُم بمَا أَنزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أهوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقّ...)- المائدة:48 فهذه كارثة، مع تحفّظي على قوله (بين يديه من الكتاب) بين يدَي مَنْ؟ هذا لأنّ محمّدًا بهذه المقولة قد أعطى لنفسه حقًّا في التصرّف في روايات الكتاب المقدَّس، فقدّس منها ما أراد وطعن في صحّة ما أراد- كما نوّهت أعلى.
ومن يقرأ بين السطور يشعر أن محمّدًا تمنّى أن تُنسب إليه أيّة إشارة في التوراة أو الإنجيل، بل تمنّى لو أنّ أحدًا يستطيع تبديل شيء ما في التوراة لمصلحته. فلمّا باءت جميع محاولاته بالفشل، لم يبق لديه سوى الافتراء على الكتاب المقدَّس بالزّعم أن عِيسَى ابنُ مَريَمَ بشّر بَنِي إِسرَائِيلَ به (سورة الصف:6) ما شاء الله! وتعليقي: كيف بشّر عيسى بن مريم بني إسرائيل بنبي ليس من بني إسرائيل؟ هذا كلام بعيد عن المنطق السليم البعد كلّه، وإلّا فهل كان محمّد إسرائيليًّا؟ كما زعم أنّه الرَّسول النَّبِيّ الأُمِّيّ الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل (الأعراف:157) زورًا وبهتانًا، بل في هذا الزعم غلطة قرآنية لم أقرأ أنّ أحدًا التفت إليها من قبل؛ كيف يرسل الله رسولًا نبيًّا أمّيًّا إلى الناس؟ لأنّ معنى الأمّي- نسبة إلى الأمّة (قول البغوي، وهو قول اليهود، وقول المسيحيّين بعد صعود المسيح) الذي لا يؤمن بالله أو الذي لا يعرف الله، فكيف أرسل الله إلى الناس نبيًّا غريبًا عن شعبه ولا يعرف الله؟ فقد سُمّي القدّيس بولس رسولَ الأمم، أي الرسول إلى الأمم الوثنية. وتاليًا نعم؛ مكتوب عندنا بدون ذكر أسماء: {وَيَقُومُ أَنبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ}+ متّى 24: 11
فمن ذا يلوم يهود ذاك الزمان ونصاراه على تكذيبهم دعوة محمّد استنادًا على تحليل الصف:6 والأعراف:157 بأقلّ تقدير؟ ومن ذا تاليًا يعطي محمّدًا الحقّ في قتلهم وفي تهجير ما بقِيَ منهم حتى لا يدع في شبه جزيرة العرب إلّا مسلما؟
والدليل على صحّة الاستنتاج بتمادي محمد في احتقار الكتب المقدَّسة واضح في تفسير قوله (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِه) المقصود به "تبديل التوراة" فأتى محمد لكي ينسخ على هواه ويعدّل كما طاب له. فهو القائل ما نسب إلى الله: (ما ننسخْ مِن آيةٍ أو نُنسِها نأتِ بخير منها أو مثلها)- البقرة:106 كما نسب إلى الله قوله: (وإذا بدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مُفتر)- النحل:101 وفي هذا القول دليل قاطع على أنّ هناك مَن وصف محمّدًا بالكذب والافتراء في حينه. فدافع محمد عن نفسه بالقرآن. والواقع أنّ محمّدًا كشف لنا عمّا جرى بينه وبين خصومه من أحداث من خلال دفاعه عن نفسه بالقرآن. ففي تفسير ابن كثير: [يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم، وأنه لا يتصور منهم الإيمان وقد كتب عليهم الشقاوة، وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها قالوا للرسول: (إنّما أنت مفترٍ) أي: كذّاب، وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد] انتهى.
وتعليقي: يكاد القارئ يسخر من قول ابن كثير (ضعف عقول المشركين) لأني رأيت الحقّ مع أولئك "المشركين" لعِلمي أنّ وصايا الله ثابتة وأحكامه أيضًا، حاشا الله أن يغيّرها بين ليلة وضحاها وأن يبدّلها. ولنا في الوصايا العشر التوراتية الثابتة منذ 3500 سنة خير مثال. وقد صادق الإنجيل عليها جميعًا بدون استثناء، أمّا محمد فقد خالفها جملة وتفصيلًا!
ـــ ـــ
هكذا خالف محمد وصايا الله
إليك براهين على مخالفة محمد وصايا الله، لكنّ الغريب موافقة ربّه على مخالفته. فتأمّل-ي في سِفر الخروج\ الأصحاح 20 المؤكّد عليها في سِفر التثنية\5:
الوصيّة الأولى: أنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.
أمّا محمّد فأشرك نفسه بالله في الشهادة أن (لا إله إلّا الله) فارضًا على المسلمين أن يشهدوا أيضًا أنّه رسوله. وأشرك الشيعة بالله عليًّا على أنّه "وليّ الله" فيبدو أن اسم الله كان لقمة سائغة في أفواه بعض العرب.
أكرم أباك وأمّك.
فصحيح أن في القرآن (وبالوالدين إحسانًا) لكنّ محمّدًا قال بعد قيام الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح بقتل أبيه في غزوة بدر: (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ مَن حَادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم...)- المجادلة:22
لا تقتل.
أمّا محمد فقد قتل بيده. وأمر بقتل كثيرين ممّا في القرآن وممّا في سيرته. وقد سمح بالاغتيال، أي بالقتل غدرًا، على خلاف أحد أخلاق العرب الأصيلة ما قبل الإسلام: المبارزة وجهًا لوجه. قال عمرو بن ودّ العامري- على مجزوء الكامل المُرَفَّل:
ولقد بُحِحتُ من النداء بجمعكمْ هلْ مِن مبارزْ
ووقفتُ إذ وقف الشجاع لِمَوقِف القرن المناجزْ
وكذاكَ أَنّي لم أزلْ – متسرّعًا نحو الهزاهزْ
إنّ الشجاعة في الفتى – والجود مِن خير الغرائزْ
لا تزنِ.
أمّا محمد فقد شرّع نكاح أربع نساء وما ملكت الأيمان. وهذا من الزنا في الكتاب المقدَّس. مع التحفّظ على كلمة النكاح القبيحة لأن من معانيه التي في لسان العرب الوطء (حسب قول الأزهري) فلا يعني الزواج، إنما تُرادف النكاح كلمة أقبح، يعفّ قلمي عن ذكرها. فلو كان معناه الزواج لما قال محمد: (فلمّا قضى زيد منها وطرًا زوّجناكها)- الأحزاب:37 ثمّ قال في السورة نفسها: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المُؤمِنِين)- الأحزاب:50 فلا يحاولنّ أحد التلاعب بالألفاظ.
واكتفيت بهذا القدر شاكرًا السيدة عائشة على قولها: (ما أرى ربّك إلّا يسارع في هواك)- رواه البخاري.
ـــ ـــ
دحض أشهر مزاعم تنبّؤ الكتاب المقدّس عن محمد وتفنيدها
فليتأمّل الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات قليلًا في ما تقدّم من تحريف محمّد وصايا الله وأحكامه ومن افترائه على الكتاب المقدّس ما قبل محاولات الدجاجلة إسقاط شبهة التحريف على الكتاب المقدَّس. وليتأمّلوا قليلًا في مستويات الخزي والعار والإفلاس التي وصل إليها الإسلاميّون؛ فبالعودة إلى ما زعم محمد في الأعراف:157 طفت على سطح المخازي وصمات عدّة ومنها اثنتان؛
الأولى: ورد في التوراة: {يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ}+ التثنية 18: 15 وورد تاليًا: {أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ به}+ التثنية 18: 15 وفي هاتين الآيتين إشارة إلى السيد المسيح، فهمها تلاميذ المسيح بإتقان، حتّى تكلّم بها بطرس مبشِّرًا في سِفر أعمال الرسل: 3: 20-24 لكنّ أهل الدجل والتحريف والتزوير نسبوها إلى محمد بدون تفكير. فاكتفيت بأن أسألهم سؤالًا واحدًا وليجب عليه مَن ظنّ نفسه من العلماء: {مِن وسطك، من وسط إخوتهم} أي من وسط إسرائيل وليس من أمّة أخرى! فهل كان محمد إسرائيليّا؟ فهذا دليل على محاولة تحريف الإسلاميّين المعنى التوراتي.
والثانية: ورد في الإنجيل روح الحقّ- الروح القدس- المعزّي- الذي وعد السيد المسيح تلاميذه بإرساله إليهم لِيشهد للمسيح ويَمْكُثَ مَعَهم إِلَى الأَبَد ويخبرهم بأمور آتية ممجِّدًا المسيح، ممّا في إنجيل يوحنّا 14: 16 و15: 26 و16: 13-15 لكنّ الدجاجلة نسبوا روح الحقّ إلى محمد زورًا وبهتانا، ابتداء بابن إسحاق (كاتب السيرة المحمدية ودجّال الدجاجلة في قول أنس بن مالك) تلاه الدجّال أحمد ديدات ثم الشيخ الأنيق عدنان إبراهيم.