بالطبع يحاول الأشرار دائمًا المَس بأولاد الله أي المؤمنين باسمه وتسبيب الأذى والضيق لهم، فقد صرّح الرّب يسوع وحضّر تلاميذه لهذا الوضع بقوله لهم: "بِهذَا أُوصِيكُمْ حَتَّى تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ. اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ. لكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي." (يوحنا15: 17 -21).
لقد ظهر شرّ الانسان في أفظع صورة له عرفتها البشرية عندما مدّ الأشرار أيديهم لإيذاء ربّ المجد، خالقهم وواضع نسمة الحياة فيهم، فباعه تلميذه يهوذا وأسلمه مقابل ثلاثين من الفضة، وهكذا أسلمه رؤساء الكهنة والكتبة للرومان حسدًا بعد أن مدوا عليه أياد شريرة وتمادوا في الاستهزاء، وهكذا فعل ولاة الرومان من بيلاطس وهيرودس وجنودهم، حتى علقوه على صليب العار. هم قصدوا شرًا، ولكن الله حوّل هذا الشرّ العظيم تجاه حمل الله، إلى خير جزيل لكل من يؤمن به، إذ أنه عندما ارتفع على الصليب حمل خطايانا، وبالإيمان به صارت لنا الحياة الأبدية. يخبرنا الوحي المقدس عن ثلاث مراحل لتسليم الرّب اشترك فيها ثلاثة أطراف شريرة، فيهوذا الاسخريوطي أسلم الرّب يسوع لرؤساء الكهنة طمعًا، بالرغم من اختباره محبة ونعمة وعظمة ومجد الرّب وتعرّفه بطريق الخلاص، ولكنه باع نفسه بثمن باخس اذ أسلم ربّ المجد "وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ." (متى 26: 48) "حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ. قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ. فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ." (متى27: 3 -5). ومن ثمّ أسلم رؤساء الكهنة بدورهم الرّب يسوع للوالي الروماني ليس لخطية أو لشر فيه، بل حسدًا منهم وخوفًا على مركزهم الديني، فعجبًا "كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ؟" (لوقا 24: 20)، أما بيلاطس فأكمل عملية التسليم إذ سلّمه للصلب خوفًا على مركزه ومراضاة وانصياعًا لرؤساء الكهنة والجموع، وذلك بعد أن أدرك وأعلن أنه لم يجد في يسوع أية خطية وأنه بريء من دم هدا البار "فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ." (يوحنا19: 16). في العيان نجد أن تسليم الرّب يسوع اشترك فيه ثلاثة أطراف في ثلاث حلقات، من يهوذا إلى رؤساء الكهنة، ومن رؤساء الكهنة إلى بيلاطس، ومن بيلاطس إلى الصلب، في كل حلقة مدّ الأشرار أيديهم لأذية ربّ المجد. ولكننا بالإيمان ندرك أن يدّ الله كانت من البداية لتحوّل المقاصد الشريرة إلى مقاصد إلهية، لتحوّل اللعنة إلى نعمة، والموت إلى حياة، فاليد والرعاية السماوية هي التي أسلمت الابن المحبوب بمشورتها الحكيمة ليكون سبب خلاص ورجاء للملايين "هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ." (أعمال2: 23).
فلا نخف إذ أنّ "عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ، وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ. وَجْهُ الرَّبِّ ضِدُّ عَامِلِي الشَّرِّ لِيَقْطَعَ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. أُولئِكَ صَرَخُوا، وَالرَّبُّ سَمِعَ، وَمِنْ كُلِّ شَدَائِدِهِمْ أَنْقَذَهُمْ. قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيُخَلِّصُ الْمُنْسَحِقِي الرُّوحِ. كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ، وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ. يَحْفَظُ جَمِيعَ عِظَامِهِ. وَاحِدٌ مِنْهَا لاَ يَنْكَسِرُ. الشَّرُّ يُمِيتُ الشِّرِّيرَ، وَمُبْغِضُو الصِّدِّيقِ يُعَاقَبُونَ. الرَّبُّ فَادِي نُفُوسِ عَبِيدِهِ، وَكُلُّ مَنِ اتَّكَلَ عَلَيْهِ لاَ يُعَاقَبُ." (مزامير34: 15 -22).