حين وضعت على غوغل {لَمْ أُرْسَلْ إِلّا إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة}+ متّى 15: 24 وجدت احتفاء مواقع إسلامية بكتاب للمضلِّل أحمد ديدات قام فيه باقتطاع آيات إنجيلية من سياقها لإثبات صحّة أوهامه، على أنّ دعوة المسيح لليهود فقط وليست عالميّة، بينما دعوة القرآن عالميّة على أنّ محمّدًا مرسَل (رحمة للعالمين) والعالَمون: (جمع عالم وهو كل ما سوى الله تعالى من الإنس والجنّ والملائكة وسائر المخلوقات)- من تحليل كلمة الْعَالَمِين في الفاتحة:2 ويمكنني هنا تصوّر رحمة الله نازلة على الإنس وسائر المخلوقات المرئيّة، لكني أتساءل: كيف تنزل رحمة الله على الجنّ؟ لأنّ الجنّ (الشياطين) قوى روحيّة شرّيرة خفيّة ولا خلاص لإبليس وجنوده إلى الأبد- حسب الكتاب المقدَّس.
وقد سخر ديدات في كتابه المذكور من معرفة المسيحيّين إلههم الظاهر في الجسد بشخص السيد المسيح. عِلمًا أنّ المسيحيّين لم يعرفوا الله بشخص المسيح عبثًا أو وهمًا، إنما شهد الوحي الإلهي للسيد المسيح بلسان بولس الرسول إلى الأمم: {وبالإِجمَاع عظيمٌ هو سِرّ التقوى: الله ظهر في الجسد}+ 1تيموثاوس 3: 16 كما أنّ إيمان المسيحيّين المستقيم مبنيّ أوّلا على أقوال المسيح السامية التي لن يرقى أيّ قول إلى واحد منها. مثالًا: موعظة الجبل. وثانيًا: نتيجة خِصاله الراقية التي لن ترقى خصلة إلى واحدة منها ولن ترقى فضيلة. والمحبّة أولى الخصال، إذ شملت العالم كلّه، فإنّ الله محبّة: {وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ}+ 1يوحنّا 4: 8 وثالثًا: نتيجة معجزاته الباهرة التي أصبحت معروفة للقاصي كما الداني، لعلّ أهمّها: إعطاء تلاميذه ورسله سلطانًا لعمل المعجزات، ما لا يعطيه سوى الله. فالمسيح والله متساويان في الجوهر. وحسابيًّا: المسيح=الله.
فإذْ فشل ديدات في استيعاب حقيقة تجسّد الله بشخص المسيح إذ {قَدْ دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لا يَعترِفون بيَسُوعَ المَسِيحِ آتِيًا فِي الجَسَد. هذا هُوَ الْمُضِلُّ، والضِّدُّ لِلْمَسِيح}+ 2يوحنّا 1: 7 فالمشكلة كمنت في ضيق أفق تفكير ديدات وفي سذاجته متأثِّرًا بالإسلام المُضِلّ، قياسًا على الكتاب المقدَّس، والمفتري على عقائد المسيحيّين ببعض ما ورد في القرآن والحديث. فلا مشكلة في العقيدة المسيحيّة القائلة إن الله ظهر في الجسد بشخص المسيح عند ذوي الأباب وذواتها. مثالًا: إذا كان مستوى إدراكك النظريّة النسبيّة ضعيفًا فالمشكلة في مستوى تعليمك ودرجته، ليست في أينشتاين ولا في نظريته ولا في واحد من العلماء المعترفين بصحّتها.
لكنّ ديدات وأمثاله في نظري لم يسخروا فحَسْبُ، بل المسألة أبعد من السخرية بكثير وأعمق! إنّما حسدوا المسيحيّين على معرفة إلههم بشخص السيّد المسيح، في وقت لم يعرف المسلمون ماهيّة الله في الإسلام من خلال صفاته المسمّاة بالأسماء الحسنى وهي كثيرة نسبيًّا. عِلمًا أنّ الطوائف الإسلاميّة مختلفة على هذه الأسماء لِمن أراد البحث.
فدعني أخي القارئ وأختي القارئة أطلق على سلوك ديدات المذكور ضدّ المسيحيّين صفة الرذيلة الأولى. عِلمًا أنّ نظرة ديدات امتداد لنظرة مؤلِّف القرآن. وهي أيضًا نظرة خليفته علي بن أبي طالب إذ قرأت عنه الحديث التالي- بتصرّف: [3 وعن أمير المؤمنين ع أنّه كان يستتيب المرتدّ إذا أسلم ثمّ ارتدّ ويقول إنّما يستتاب مَن دخل دينًا ثمّ رجع عنه فأمّا مَن وُلِدَ في الإسلام فإنّا نقتله ولا نستتيبه 4 وعنه ع أنّه أُتِيَ بمستورد العجليّ وقد قيل إنّه قد تنصّر وعَلَّق صليبًا في عنقه فقال له قبل أن يسأله وقبل أن يشهد عليه: وَيحَك يا مستورد! قد رُفِع إليّ أنّك قد تنصّرت ولعلّك أردت أن تتزوّج نصرانيّة فنحن نزوّجك إيّاها. قال المستورد: قدّوس قدّوس. قال علي: فلعلّك ورثت ميراثًا مِن نصرانيّ فظننتَ أنّا لا نورثك فنحن نورثك لأنّا نرثهم ولا يرثوننا. قال المستورد: قدّوس قدّوس. قال علي: فهل تنصّرت كما قيل؟ فقال المستورد: نعم تنصّرت. فقال أمير المؤمنين ع اللّه أكبر. فقال المستورد: المسيح أكبر. فأخذ أمير المؤمنين ع بمجامع ثيابه فأكبّه لوجهه فقال طِئوه عِبادَ اللّه فوطئوه بأقدامهم حتّى مات]- عن موقع مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلاميّة- أبواب حدّ المرتدّ. ومعنى طِئوه: دوسوه. وباللهجة اللبنانية: ادعسوا عليه. ورحم الله الشهيد المستورد.
وقد قرأت عن سلوك المُرسَل (رحمة للعالمين) مع يهود بني قريظة بذريعة نقض عهد مزعوم بينه وبينهم فذكرت في مقالة سابقة أنّ ضرب أعناق رجالهم تمّ بأيدي عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوّام وأردفت أنّ كليهما مبشَّر بالجنّة المحمّديّة حسب رواية سُنّيّة؛ ما لبثت الشيعة الإماميّة أن رفضتها وفق حديث رُويَ عن عليّ بأنّ (أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبي ص) انتهى. وطلحة والزبير من أصحاب معركة الجمل التي وقعت بين عليّ وبين السيدة عائشة.
كما قرأنا معًا امتداد الرحمة المزعومة في ضوء مجازر أبي بكر وعليّ ضدّ المرتدِّين عن الإسلام. وفي ضوء مجازر خالد بن الوليد يوم احتلّ العراق السرياني الكلداني الآشوري الصابئي الكردي. وفي ضوء مجازر عمرو بن العاص ضدّ الأقباط عقب احتلال مصر. وفي ضوء مجازر المسلمين ضد الأمازيغ في دول المغرب. وتاليًا في ضوء مجازر الأندلس. وقد وقعت في التاريخ الحديث مذابح سيفو (أي السيف) ضد الآشوريّين والسريان والكلدان صيف 1915 ومجازر العثمانيّين ضدّ الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها وامتدّت إلى السريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم. ومجازر داعش الحديثة جدًّا ضدّ الأيزيديّين في سنجار وغيرها مع سبي الأيزيديّات وبيعهنّ كالنِّعاج في سوق النخاسة بأسعار متفاوتة وبالدولار الأميركي. ورأينا مجازر بوكو حرام ضدّ مسيحيّي نيجيريا خلال السنوات الماضية ولا تزال مستمرة. وشاهدنا تفجير انتحاريّ نفسه، مخدوعًا بجنّة الإسلام ومواليًا داعش، في متنزَّه مزدحم بعائلات مسيحية في مدينة لاهور شرقيّ باكستان، أثناء عطلتهم في عيد القيامة، أدّى إلى مقتل أزيد من 70 مسيحيًّا وجرح أزيد من 300 مسيحي. ولا يفوتني تقديم شكر لرئيس باكستان على إدانته هذه العملية وعلى إعلان الحداد ثلاثة أيّام في باكستان. والقائمة طويلة عبر تاريخ الإسلام الدموي. فأيّة رحمة في الإسلام سوى النقمة بأبشع صورها؟ لم تصوّر داعش بآلات التصوير الحديثة إلّا نماذج قليلة جدًّا منها.
فإن اعترض نقّاد إسلاميّون على مجازر قام بها محسوبون على المسيحيّين خلال الحربين العالميّتين ليقابلوا المجازر الإسلامية بالمثل فجوابنا باختصار: تلك حروب سياسية لا توجد في الإنجيل آية واحدة وراء أيّ منهما. أمّا القرآن فقد أعطى مؤلِّفه ضوء أخضر للإرهاب: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم...)- الأنفال:60 وللقتل بقوله (اقتلوهم حيث وجدتموهم...)- النساء:89 وللغزو والزنا المشرَّع إسلاميًّا وفق حديث رواه الطبري في سياق تفسير التوبة:49 عن مجاهد (أغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم) وفي أحاديث صحيحة أخرى، لعلّ من أشهرها: (بُعِثتُ بين يدي الساعة مع السيف، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعلت الذلة والصغار على من خالف أمري...)- صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في الرماح.
وإن اعترض مسلمون على الطبري بأنه لم يكن قِدّيسًا فلم يأتِ الطبري، الذي لا غبار على إسلامه، بشيء من عنده، إنما استقى من أخبار الصحابة والتابعين. مثالًا الحديث المذكور من طريق ابن عباس (ابن عمّ محمد) قال- بتصرّف: [لمّا أراد رسول الله غزوة تبوك قال لجدّ بن قيس: (هل لك في بنات الأصفر؟) فقال: (ائْذَنْ لي ولا تَفْتِنِّي) فأنزل الله عزّ وجلّ: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي...)- بداية التوبة:49- أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الأوسط"...] فلا يقولنّ أحد أن هذه المقولة وتلك كانتا دفاعًا عن النفس، لأن اليهود والسريان والأقباط والروم والفرس والأمازيغ وغيرهم لم يتعرّضوا يومًا لمحمد بسوء ولا لخلفائه، إنما محمد وخلفاؤه غزوا الآخرين تحت لواء "الله أكبر" المشؤوم وأنّ محمّدًا هو الذي صنع أعداء وهو الذي اختلق الفتن (انظر-ي تفسير الطبري الأنبياء:111 أو انتظر-ي نشر القسم الثالث من هذه المقالة) لأنّه اعتبر الذين كذّبوا دعوته كافرين سواء أكانوا من "كفّار قريش" أم من أهل الكتاب. وما بات حديثه المقزِّز التالي خافيًا على أحد: (تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح)- مُسنَد الإمام أحمد عَنْ عَبدِاللَّه بْنِ عَمرِو بنِ العَاص. وما زال أبرياء يدفعون دماءهم ثمنًا لهذا الحديث وغيره. ولم يجرؤ إسلامي على القول أنّ الذبح خصّ به قريش وليس عامًّا، لأنّ الواقع أنّ كلًّا من المسلم وغير المسلم ابتُلِيَ بهذا الحديث عبر التاريخ. كذا؛ ما بات الحديث التالي خافيًا على الباحث-ة عن الحقّ: [عن شداد بن أوس قال ثنتان حفظتهما عن رسول الله ص قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحدّ أحدكم شفرته فليُرح ذبيحته) انتهى]- صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة. لكنّ الدواعش وأقرانهم، كما يبدو، اعتبروا مخالفيهم حيوانات! فطبّقوا هذا الحديث على خصومهم.
أمّا الأجدر بالذكر أنّ محمّدًا جعل قول جدّ بن قيس (ائْذَنْ لي ولا تَفْتِنِّي) ممّا أوحِيَ به إليه في القرآن. فهل الذي قال (ائْذَنْ لي ولا تَفْتِنِّي) هو الله عزّ وجلّ- حاشا الله ممّا افترى عليه مؤلِّف القرآن- أم أنّ جدّ بن قيس هو القائل في حديثه مع محمد؟ أين ذهبت عقول السواد الأعظم من المسلمين؟
وتاليًا؛ ألم يكن كفّار قريش وأهل الكتاب والروم والمسلمون المرتدّون وأصحاب الجمل والأمازيغ والأيزيديّون من العالمين؟ أم أن "الرحمة" التي شمل بها الشياطين لم تشملهم؟ ويبقى السؤال قائمًا على قدم وساق: أين رحمة الإسلام ومتى نزلت وعلى مَن؟ فقد قتل المسلم أخاه المسلم في معارك طاحنة كما قتل الذي اعتُبِرَ في نظر مؤلّف القرآن كافرًا ومشركًا ومرتدّا. وأخيرًا؛ سَخِرَ السيد الشّيعيّ أحمد القبانجي من المقولة القائلة بوجود رحمة في الإسلام في مقطع يوتيوب أقلّ من ثلاث دقائق (1) قائلًا باللهجة العراقية ما معناه: لا رحمة في الإسلام! في وقت نفى السيد نفسه الشائعة القائلة (إنّ القرآن موحًى به من الله) في مقطع يوتيوب، أقلّ من ثماني دقائق، عنوانه: أحمد القبانجي- مستحيل أن القرآن من الله.
أمّا بعد؛ حين شاهدت مقطع فيديو قصيرًا للأخ رشيد (2) تحت عنوان "هل تنبأ الإنجيل عن مجيء أحمد؟" ذكر أن ديدات تبنّى كذبة ابن إسحق- كاتب السيرة النبوية المختفية ودجّال الدجاجلة في نظر أنس بن مالك- بأنّ {المُعَزِّي} المذكور في إنجيل يوحنّا قُصِدَ به رسول الإسلام. وهذه رذيلة مخزية ثانية؛ شتّان ما بين المعزّي (الروح القدس) الذي أرسله المسيح إلى تلاميذه بعد صعوده إلى السماء (أي في القرن الأوّل الميلادي) ليمكث مع تلاميذ المسيح ورسله إلى الأبد كما فهِم التلاميذ (انظر-ي سِفر أعمال الرسل) وبين رسول الإسلام.
عِلمًا أنّ للأخ رشيد حلقة كاملة، ذكرتها في مقالتي المذكور رابطها أدنى (3) عن الترجمة العربية المزوَّرة التي أعدَّها د. أنيس منصور في كتاب مطبوع ورقيًّا تحت عنوان "الخالدون مئة وأعظمهم محمد" لمايكل هارت والترجمة الصحيحة للعنوان الأصلي بالانكليزية: "المائة- ترتيب الأشخاص الأكثر تأثيرًا في التاريخ" وفي الحلقة أنّ ديدات نشر كتاب هارت نفسه مزوِّرًا أيضًا في العنوان الحقيقي إلى التالي: "لماذا محمد هو الأعظم؟" وهذه رذيلة ثالثة من رذائل ديدات التي لا وقت لديّ لإحصائها.
فإذا اقتضت حادثة توفّر شهادتين أمام القضاء للحكم فيها فهذه ثلاث، تكفي أدلّةً على رذالة هذا الدجّال الهالك في بحيرة النار المتّقِدة بالكبريت ما لم يتب آخر حياته مثل توبة لصّ اليمين على الصليب. ومعنى أنه تَصَرَّفَ برَذالَة (بالذال) في معجم المعاني الجامع: (بدَناءة، بخِسَّة، بنَذالة) فطبِّلوا أيها الدِّيداتيّون لديداتكم وافتخروا به واقتدوا أيضًا، مثلما اقتدى به عدد من المعلِّقين على مقالاتي الأخيرة على فيسبوك لينغا، في وقت تجاهلتُم بنفاق واضح اعتبار ديدات كافرًا بالمنظور الإسلامي، سواء السُّنِّيّ أو الشِّيعِيّ، بصفته من أتباع الطائفة الأحمدية القاديانية.
تنويه: سأصِف كلّ من يقتطع آية في الكتاب المقدَّس من سياقها ليفسِّرها على هواه طعنًا فيه، متجاهلًا التفسير المسيحي للكتاب المقدَّس المتوفّر في المكتبات المسيحية والمتيسّر عبر الانترنت، بأنّه "ديداتي" ابتداء من تاريخ نشر هذه المقالة. هاتِ ما عندك أيها الدِّيداتي، لكن من حقّي في المقابل أن أردّ عليك بما يقضّ مضجعك من كتبك، أي بدون افتراء، لأنّ الافتراء معشِّش في جعبة المفلسين من أمثالك. حاشا المسيحي الافتراء بشيء على أحد.