مفهوم الثالوث المقدَّس- الأقانيم الثلاثة
لعلّ من السهل ملاحظة وجود ثلاثة أقانيم (أي شخصيّات، والمفرد: أُقنُوم) في الآيات المذكورة في ج1 من هذه المقالة؛ هي الآب والإبن والروح القدس- روح الحقّ المعزّي، روح الله- ولعلّ من الواضح أنّ جوهر الثلاثة واحد. فالثالوث المقدّس حقيقية كتابية، ليس مِن بنات أفكار آباء الكنيسة القدّيسين والمعترفين، بل من الإنجيل خصوصًا ومن الكتاب المقدَّس عمومًا؛ إذ ورد حرفيًّا ومعنويًّا في أزيد من مناسبة، بالإضافة إلى ما تقدَّم؛ لعلّ الأولى في قول السيد المسيح له المجد لتلاميذه الأَحَدَ عَشَرَ بعد قيامته من الموت: {دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سلطان في السَّماء وعلى الأرض، فاذهَبُوا وتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابنِ والرُّوحِ القُدُس. وعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحفَظُوا جَمِيعَ ما أوصَيتُكُمْ به. وها أنا مَعَكُمْ كُلَّ الأيّام إلى انقِضاء الدَّهر}+ آخر الإنجيل بتدوين متّى.
فلم يقُل "بأسماء" بل {باٌسم} ما دلّ على أنّ الثلاثة واحد.
والثانية: {فإِنَّ الَّذِينَ يَشهَدُونَ في السَّمَاءِ هُمْ ثَلاثة: الآبُ والكَلِمَةُ والرُّوحُ القُدُس. وهؤُلاءِ الثَّلاثة هُمْ وَاحِد}+ رسالة يوحنّا الأولى 5: 7
هذا من جهة الحرف، أمّا من جهة المعنى فأينما قرأ قارئ الكتاب المقدَّس كلام الله الذي تكلّم به بصيغة الجمع فإنّها صيغة إلهية قد عبَّرت عن الثالوث الإلهي؛ مثالًا {وقالَ اللهُ: (نَعمَلُ) الإِنسَانَ عَلَى (صُورَتِنا) (كَشَبَهِنا)}+ التكوين 1: 26
فالسيد المسيح هو صورة الله التي رآها الناس على الأرض بعد ظهوره بجسد المسيح مولودًا من امرأة- السيدة العذراء: {الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقُدرَةُ العليِّ تُظَلِّلُكِ، لذلِكَ فالقدُّوسُ الّذي يولَدُ مِنكِ يُدعى اَبنَ الله}+ لوقا 1: 35
فلا قُدّوس إلّا الله. وهذا المعنى هو الذي قصده السيد المسيح حينما سأل الشّابّ الغنيّ {لمَاذا تَدعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ}+ متّى 19: 17 ومرقس 10: 18 ولوقا 18: 19
والمعنى: هل اعترفت أني والله واحد بقولك عنّي "أيها المعلِّم الصّالح"؟
وانظر-ي كيف فهم بولس الرسول لاهوت المسيح وناسوته بإرشاد الروح القدس: {فكونوا على فِكرِ المَسيحِ يَسوع: هوَ في صُورَةِ الله، ما اعتبَرَ مُساواتَهُ للهِ غَنيمَةً لَه، بَلْ أخلى ذاتَهُ واتَّخَذَ صُورَةَ العَبدِ صارَ شَبيهًا بالبَشَر وظَهَرَ في صورةِ الإنسان}+ فيلبّي 2: 5-7
مَن أراد-ت ففي إمكانه تصفّح مقالات منشورة على هذا الموقع- لينغا- بعد كتابة "الثالوث الإلهي" أو "الثالوث المقدَّس" في محرّك بحث الموقع. عِلمًا أني كتبت فيما مضى مقالة خاصّة بالثالوث تحت عنوان: الثالوث الإلهي المقدّس
والجدير ذكره أنّ مؤلِّف القرآن قد اقتبس كثيرًا صيغة الجمع الإلهية، في قرآنه، بدون وجود إشارة إلى أنه أدرك معناها، لا في القرآن ولا في حديث صحيح، فما أدرك المعنى لا هو ولا المسلمون من بعده ولا سيّما أهل تفسير القرآن. إليك عددًا من الأمثلة من سور مختلفة: (إنّا) أعطيناك الكوثر، (كَتَبْنا) على بني إسرائيل، (نحن) أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك، ومَكَرُوا مَكْرًا (ومَكَرنا) مَكْرًا وهُمْ لا يَشعُرُون.
فإن سأل سائل عن وجود آية أخرى في الكتاب المقدَّس يتكلّم بها الله بصيغة الجمع فإليه أيضا: {وقال الرّبّ الإله: هُوَذا الإنسان قد صار كواحد (مِنّا) عارفًا الخير والشر. والآن لعله يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا ويأكل ويحيا إلى الأبد}+ التكوين 3: 22
لاحظ-ي لطفًا أن الله قال {كواحد منّا} تشبيهًا بأقنوم الإبن (المسيح) لم يقلْ "صار مثلي" لأنّ في هذا القول تشبيهًا بالذّات الإلهية. فالكتاب المقدَّس دقيق جدّا في التعبير.
السيف الذي قصده السيد المسيح
مِن حقّي أن أتساءل؛ بماذا أضرّ المسلمين تجسُّدُ الله بشخص وديع ومتواضع القلب (متّى 11: 29) أما عبّرَ تجسّده بشخص المسيح عن محبّته الإنسان أمْ أدّى التجسّد إلى تحريض المؤمنين على القتال وإلى غزو تبوك لسبي بنات الأصفر ونساء الروم وإلى ضرب الرِّقاب وفوق الأعناق؟ فقد قرات تعليقًا على إحدى مقالاتي وفيه [أنّ السيف لم يرد ذكره في القرآن الكريم] ولا أدري أوّلًا: هل قصد مؤلِّف القرآن ضرب الرقاب والأعناق بالورود؟ ثانيًا: هل كانت السيوف التسعة التي تركها بعد موته للزِّينة؟ [ضع-ي على غوغل "سيوف الرسول" لمعرفة أسمائها وأخبارها] (1) عِلمًا أنّي شاهدت داعش، في أحد مقاطع يوتيوب، وهي تلعب برؤوس القتلى المفصولة عن أجسادها كرة القدم واللاعبون يضحكون. يمكنك أيضًا مشاهدة مقطع آخر لأحد شيوخ المسلمين وهو يروي ما فعل خالد بن الوليد برأس مالك بن نويرة في عهد الخليفة الأوّل، نقلًا عن مراجع إسلامية كثيرة، بذريعة امتناع مالك وقومه عن دفع الزكاة فاعتُبِروا مرتدِّين عن الإسلام، ثمّ اصطفى خالد لنفسه امرأة مالك (ليلى بنت سِنان، أمّ تميم) عِلمًا أنّ مالك كان [من سادات قبيلة تميم في عهد محمد؛ ولاه صدقات قومه (بني يربوع) لكن مالك امتنع عن دفعها بعد وفاة محمد]- بتصرّف عن ويكيبيديا. وفي رواية أخرى أنّ خالد قصد امرأة مالك لأنها كانت فائقة الجمال، إذ أمر بقتل زوجها بدون رفع أمره إلى الخليفة المذكور؛ نقرأ في "تاريخ أبي الفداء" ص18 أبيات شعر قالها أبو نمير السعدي في زواج خالد بامرأة مالك، دلّت على هوى خالد فيها قبل قتل زوجها، فجمعتُ الأبيات التالية ممّا تيسّر على الانترنت:
ألا قلْ لحَيٍّ أوطئوا بالسنابكِ – تطاوَلَ هذا الليل مِن بعد مالكِ
قضى خالدٌ بغيًا عليه بعُرسِهِ – وكان له فيها هوىً قبل ذلِكِ 2
فأمضى هواه خالدٌ غيرَ عاطفٍ – عِنانَ الهوى عنها ولا متمالِكِ
فأصبح ذا أهلٍ وأصبح مالكٌ – إلى غير أهلٍ هالِكًا في الهوالِكِ
وأردف المعلِّق [بينما ورد ذِكر السيف كثيرًا في الكتاب المقدَّس] لكنّه لم يفطن لمعنى السيف في قول السيد المسيح {ما جئتُ لأُلْقِيَ سلامًا بل سيفًا}+ متّى 10: 34 لأنّه نقل الآية مقتطَعَة مِن سياق النّصّ!
لو عاد المعلِّق إلى الإنجيل لإكمال قراءة النصّ لربّما فهِم بقليل من التفكير: {فإنّي جئت لأفرّق الإنسان ضدّ أبيه، والإبنة ضد أمّها، والكَنّة ضد حماتها...}+ متّى 10: 35 والمعنى عينه في إنجيل لوقا بدون ذكر السيف: {أتظنون أنّي جئت لأعطي سلامًا على الأرض؟ كلّا، أقول لكم: بل انقساما. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين: ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة. ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب، والأمّ على البنت، والبنت على الأمّ، والحماة على كنّتها، والكنّة على حماتها}+ لوقا 12: 51-52
فلفظة السيف في تدوين متّى 10: 34 دلّت على التفريق أو الانقسام. لكنّ من عادة النقّاد المسلمين، ولا سيّما الدّجّال أحمد ديدات، اقتطاع آيات الكتاب المقدَّس من سياقها، في محاولة فاشلة لتضليل الناس ومخزية في الوقت نفسه، وهذه من ألاعيب الشيطان.
فشتّان ما بين السيف الذي قصده المسيح (أي الانقسام بين المؤمن بالمسيح، مَن سيقاسي اضطهادًا حتّى من أقرب الناس إليه، وبين غير المؤمن أو ضدّ المسيح) وبين السيف الذي أمر مؤلِّف القرآن بضرب الرقاب به وفوق الأعناق (3)
ومن التساؤلات الغبيّة المنتشرة على مواقع الانترنت: [أين قال المسيح "أنا الله فاعبدوني" وأين ذكرت كلمة "ثالوث" في الكتاب المقدَّس وأين ذُكِر اللاهوت والناسوت؟... إلخ] فالجواب في الكتاب المقدَّس؛ من يبحث عنه بعقليّة فوق مستوى السذاجة يجده. أمّا أن يجلس المتسائل أمام الكومبيوتر ويسطّر ما يحلو له، بدون قراءة الكتاب المقدَّس مستعينًا بتفسير مسيحي، فهذا النوع من الأخلاق الهابطة لم يلفت انتباهي في أحد أوساط العالم غير الإسلاميّة حتّى الآن.
وأتساءل تاليًا، لعلّ جوابًا يأتيني خاليًا من الغباء ومن اللعن؛ هل أدّى تجسّد الله بشخص المسيح إلى ضرب امرأة وإلى رجم زان-ية وإلى جَلد سارق، أو قطع اليد التي سرق بها، وإلى تقطيع أطراف إنسان من خلاف وإلى فَقْء عينيه (أي قَلعهما، ثَقبهما، شَقّهما) وإلى تصليبه وإلى تحريقه وإلى رميه من شاهق... إلخ؟ كلّا وحاشا، لأنّ الله بريء ممّا نُسِبَ إليه من خارج الكتاب المقدَّس. وهناك من تساءل أيضا: [إذا نُسِبت إلى الله هذه الجرائم النكراء- حاشا الله- فمَن هو إبليس، ماذا فعل ولماذا يُلعَن؟] لذا يسرّني أن أخبر المعلِّق بما قال السيد المسيح عن إبليس: {ذاك كان قتّالًا للناس من البدء، ولم يثبت في الحقّ لأنه ليس فيه حقّ. متى تكلّم بالكذب فإنّما يتكلّم ممّا له، لأنّه كذّاب وأبو الكذّاب}+ يوحنّا 8: 44
وأخبره بما قال السيد المسيح عن نفسه: {السارق لا يأتي إلّا ليسرق ويذبح ويهلك، وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. أنا هو الرّاعي الصالح، والرّاعي الصالح يبذل نفسَهُ عن الخِراف}+ يوحنّا 10: 10-11
عِلمًا أنّ السيد المسيح لم يحمل سيفًا ولم يحثّ تلاميذه على حمله، بل لم يُرَغِّب أحدًا في السَّير معه ولا في أن يُصبح من أتباعه: {ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم: مَن أراد أن يأتي ورائي فليُنكِر نفسَهُ ويحملْ صَليبَه ويتبعني}+ مرقس 8: 34 ومتّى 16: 24