نقرأ في الأصحاح السادس والعشرين من إنجيل ربّنا يسوع المسيح بتدوين متّى البشير 17 العَشاء الرَّبّانيّ الأخير 26 تأسيس الإفخارستيا، وأصل الكلمة يوناني ومعناها الإنجيلي باختصار: الشكر المتناغم مع البَرَكة 36 بدء قصّة آلام المسيح.
وتوجد في هذا الأصحاح ستّ إشارات إلى العهد القديم:-
الإشارة الأولى
قال السيد المسيح: {24 إنّ ابن الانسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه، ولكنْ ويلٌ لذلك الرجل الذي به يُسَلَّم ابن الانسان. كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يُولَدْ!}+ عن ترجمة فان دايك.
وفي هذه الآية إشارة إلى {أيضًا رَجُلُ سَلامتي، الَّذِي وَثِقْتُ به، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَه!}+ المزامير 41: 9 وواضح أنّ في آية هذا المزمور نبوءة عن يهوذا الأسخريوطي- تلميذ المسيح الخائن- فخيانة يهوذا متنبّأ عنها في العهد القديم. قال بطرس الرسول عن الأسخريوطي: {صَارَ دَلِيلًا لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوع}+ أعمال الرسل 1: 16
وقد ذكرتُ في أزيد من مناسبة أنّ صلب السيد المسيح حتميّ الإنجاز، في الزمان والمكان المحدَّدَين من الرب وكما في النبوءات، سواء أبخيانة يهوذا أم بغيرها.
الإشارة الثانية
قال السيد المسيح: {31 في هذِهِ الليلة ستَترُكوني كُلُّكُم، فالكِتابُ يَقول: سَأضرِبُ الرّاعيَ، فتَتَبدَّدُ خِرافُ القَطيعِ}+ عن الترجمة المشتركة. وفي الآية إشارة إلى التالي: {اِضرِبِ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتَ الغَنَم}+ زكريّا 13: 7
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف: [كان قصد السيد المسيح من ذلك أن يُهيّئهم للتجربة العتيدة أن تصيبهم حينما يرونه في أيدي أعدائه، وقد أنذرهم بإنذارات أخرى؛ كما نرى في لوقا 22: 31-32 و35-38 وخِراف القطيع (الرَّعيّة) الذين يتبددون بعد رفض راعيهم وضربه هم هنا رُسُل المسيح الذين هربوا حينما تمّ القبض عليه. لكنهم صورة أيضًا لخرافه الإسرائيلية الذين سيتبدّدون من وجه الوحش في نهاية الدهر (متّى 10: 16 و24: 20 ورؤيا يوحنّا\ الأصحاح الـ 12) لكن مفهومٌ طبعًا أن جميع المؤمنين في كل زمان هم خِراف المسيح]- بقلم بنيامين بنكرتن.
الإشارة الثالثة
قال السيد المسيح لبطرس: {52 رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِه. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ}+ عن ترجمة فان دايك.
فإن سأل سائل: كيف عرفت أن السيد المسيح خاطب بطرس؟
والجواب من الكتاب: لأنّ يوحنّا إذ روى هذه الحادثة أيضًا (يوحنّا 18: 10) ذكر أنّ المخاطب هو بطرس وأنّ الأذن المقطوعة هي اليمنى وأنّ اٌسم خادم رئيس الكهنة الذي قُطِعَت أذنه مَلْخُس فشفاها السيد المسيح فورًا (لوقا 22: 51) وفي هذه الآية إشارة إلى التالي: {سافِكُ دَمِ الإِنسان بالإنسان يُسْفَكُ دَمُه. لأنّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإنسان}+ التكوين 9: 6
وفي التفسير المسيحي: [حينما يستخدم الإنسان العنف في خدمته تحت ستار الدفاع عن السيِّد المسيح الحق، إنّما يكون كبطرس الذي يضرب بالسيف فيقطع أُذن العبد ويفقده الاستماع إلى صوت الكلمة. كلمة العنف تُزيد المقاومين عنادًا، تفقدهم سمعهم الروحي للحق، فلا يشتهون الرجوع عن مقاومتهم ولا يتوقون للحق.
بسرور احتمل السيِّد جراحات مقاوميه لكنّه لم يحتمل دفاع تلميذه عنه بالسيف، فإنّ ما حمل بطرس من مرارة تجاه صالبي السيِّد كان في نظره أمرّ من سيف الأشرار. كما يقول القديس أمبروسيوس: لا يريد المسيح أن يُدافَع عنه ضدّ تلقّي جراحات من المضطهِد، بل أراد أن يشفي الكُلّ بهذه الجراحات.
ومن أقوال القديس كيرلّس الكبير:
1 لم يُرِد لنا أن نستخدم السيوف في مقاومة أعدائنا بل بالأحرى أن نستخدم الحُبّ والوقار، فنكسب مَن هم ضدّنا. يعلّمنا بولس الرسول تعليمًا مشابهًا بقوله: {هادمين ظنونًا وكلّ علوّ يرتفع ضدّ معرفة الله ومستأسِرِين كل فكر إلى طاعة المسيح} 2 كورنثوس 10: 5 لأنّ الحرب من أجل الحق روحيّة! والسلاح الذي يجعلنا قدّيسين عقلي ومملوء محبّة الله.
2 لقد قطع بطرس أذن عبد رئيس الكهنة اليُمنى، وكان هذا العمل بمثابة علامة على عجز اليهود عن السمع الجيّد، لأنهم لهم ينصتوا جيدًا إلى كلمات المسيح، بل أكرَموا الأذن اليُسرى أي أطاعوا هواجسهم النابعة عن تعصبُّهم فصاروا {مُضِلِّينَ وَمُضَلِّين}+ 2تيموثاوس 3: 13 وكما يقول الكتاب لأنهم عندما عاشوا حسب الناموس لم يهتمّوا بالوصيّة قدر اهتمامهم بتعاليم الناس+ انظر-ي متّى 15: 18-20
3 كأنّ بطرس كشف ما في أعماقهم أن أذنهم اليُمنى الروحيّة قد قُطعت إذ اهتموا بالأُذن اليُسرى أي سماع الأضاليل! لكن السيِّد جاء ليُصلِح هذه الأذن اليُمنى ويهبها سماعًا روحيًا]- ممّا في تفسير القمّص تادرس يعقوب ملطي.
وتحت عنوان "الغدر بيسوع والقبض عليه في جثسيماني" نقرأ التالي- بتصرّف: [يتألّق الربّ يسوع مشرقًا بأخلاقه المجيدة دائمًا. فهنا وبِّخ بطرس قائلا: {رُدّ سيفك إلى مكانه... الآية} فالانتصارات في ملكوت المسيح لا تتحقّق بوسائل جسديّة، واللّجوء إلى قوّة السلاح للحرب الروحيّة يؤدّي إلى الهزيمة. فليستخدم أعداء الملكوت قوّة السيف فإنّهم سيُهزَمون في النهاية. بالمقابل؛ على جنديّ المسيح أن يلجأ للصلاة وكلمة الله وقوى الحياة المملوءة بالروح القدس. ويخبرنا الطبيب لوقا في إنجيله أنّ يسوع شفى أذن ملخس- هذا كان اسمه (لو22: 51؛ يو18: 10) أليس ذلك عرضًا رائعًا لعمل النعمة؟ فالربّ أحبّ الذين أبغضوه وأظهر الإحسان للذين خطّطوا لقتله]- بقلم وليم ماكدونالد.
الإشارة الرابعة
أردف السيد المسيح مخاطبًا بطرس: {53 أَتَظُنُّ أَنِّي لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدّم لي أكثر من اثني عشر جيشًا من الملائكة؟ 54 فكَيفَ تُكَمَّلُ الكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذا يَنبَغِي أَنْ يَكُون؟}+ أي- بتصرّف: [لو كان يسوع راغبًا في مقاومة الجموع لما اقتصر دفاعه على سيف بطرس الضعيف! فقد كان في وسعه أن يطلب من الآب فيرسل إليه في لحظة من الزمن أكثر من اثني عشر جيشًا من الملائكة (ما بين 36000 و72000) لكنّ في ذلك عرقلة البرنامج الإلهيّ ليس إلّا. فيجب أن تُكمَّل الكتب التي تنبّأت عن تسليمه وآلامه وصلبه وموته وقيامته]- بقلم وليم ماكدونالد.
ففي الآية الـ54 إشارة إلى التالي: {لكنَّ الرّبَّ رضيَ أنْ يَسحَقهُ بالأوجاعِ ويُصِعدَهُ ذبيحةَ إثْم، فيَرى نَسلًا وتَطولُ أيّامُه، وتَنجحُ مشيئةُ الرّبّ على يَدِه}+ أشعياء 53: 10
الإشارة الخامسة
قال السيد المسيح: {55 أعَلى لِصٍّ خَرَجتُم بسُيوف وعِصِيّ لتأخُذوني؟ كُنتُ كُلَّ يومِ أجلِسُ مَعكُم في الهَيكَل أعَلَّمُ، فما أخذتُموني. 56 ولكِنْ حدَثَ هذا كُلٌّهُ لِتَتِمَّ كُتبُ الأنبياء. فتَركَهُ التَّلاميذُ كُلُّهُم وهرَبوا} والإشارة إلى التالي: {مَلِكُنا الذي اختارَهُ الرّبُّ، أوقَعوهُ في حَبائِلِهِم وهوَ الذي قُلنا: في ظِلِّهِ نَحيا بَينَ الأمَم}+ مَرَاثي إرميا 4: 20
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف: { لقد ذكّرهم أنه كان موجودًا كل يوم في الهيكل ويعلّم. فما كانت هناك حاجة إلى هذه الغزوة الغريبة في منتصف الليل. لكن في هذه الأشياء كلّها تحقّقت كلمة الله المعطاة عن طريق الأنبياء. فبينما سَلَّم نفسه بإذعان لهم؛ غدا التلاميذ مصعوقين من الفزع فهربوا. لو لم يكن مسلِّمًا نفسه طواعية لهذه المعاملة المهينة لوقف أعداؤه عاجزين أمامه. لكنّه وضع نفسه في أيديهم لكَي تتم إرادة الله. لعلّنا نرى في ذلك الخضوع تعبيرًا عن محبته للآب ولأولئك الذين مات لأجلهم. فبدون اعتبار منهم، أو بتناسي ناموسهم نفسه، بمنع محاكمة أي شخص متّهم بأيّة جريمة بين ساعات الغروب والشروق، أولئك الذين اعتقلوا يسوع هرعوا به إلى بيت قيافا قُبيلَ صياح الديك، ما يقابل الساعة الثالثة بعد منتصف الليل لدينا، حيث انتظرت مجموعة من قادة الشعب إصدار إدانة عاجلة بحقّه.
فتعليم المسيح جعل كثيرين فاقدي الثقة بسلطتهم ومصداقيّتهم، خافوا أن يكسب تبعيّة أكبر إن لم يُزَح عن الطريق بالعجل]- بقلم هنري أ. أيرونسايد.
الإشارة السادسة
{67 حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ 68 قائِلِين: تَنَبَّأْ لَنا أَيُّهَا الْمَسِيح، مَنْ ضَرَبَك؟} وفي الآية الـ67 إشارة إلى {بَذَلْتُ ظَهرِي لِلضَّارِبِين، وخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِين. وَجهِي لَمْ أَستُر عَنِ العَارِ والبَصق}+ أشعياء 50: 6
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف:
1 [فعلوا هذا به لحسدهم (متّى 27: 18) وما أفظع خطيّة الحسد وخطيّة البغضة! ما جعلهم يصرخون {اصْلِبْهُ! اصلِبه!}+ لوقا 23: 21 ويوحنّا 19: 6 لمّا أراد بيلاطس أن يؤدِّبه (أي يجلده) ويطلقه. بل أن الحسد هو الذي دفع إبليس ليسقط آدم فيموت، وهذا ما حدث مع قايين]- بقلم القس أنطونيوس فكري.
2 [كانت المحاكمة باطلة ومخالفة مبادئ الحقّ والعدل فإنهم بدون خجل طلبوا شهادة زور. فلمّا انتهت المحاكمة الصُّوَريّة انفكّ القيد الذي كان يمنع إجراء شرِّهم وبغض قلوبهم إذ كانت هذه ساعتهم وسلطان الظلمة فتسابقوا معًا في إظهار كل نوع من الإهانة والظلم ضد الوديع القدّوس فبصقوا عليه ولكموه ولطموه وغطّوا وجهه (انظر-ي مرقس 14: 65) وسألوه أن يستعمل معرفته الإلهية بصفته المسيح ابن الله ليقول لهم مَن ضَرَبَه. فاحتمل ذلك كلّه بصبر وسكوت مع أنه كان يعرف سرائر جميع القلوب]- بقلم بنيامين بنكرتن.