نقرأ في الأصحاح الخامس من إنجيل يوحنّا 1 صعود يسوع إلى أورشليم خلال أحد أعياد اليهود 2-15 إبراء يسوع مريض "بيت حَسْدا" يوم السبت 18 سعي اليهود إلى قتل يسوع لأنّه نَقَضَ السبت وقال إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نفسَهُ بالله 21 المسيح يُحيي مَن يشاء 22 المسيح سيدين العالم في مجيئه الثاني 24 الذي يسمع كلام المسيح مؤمنًا بالله ينال الحياة الأبدية بعد الموت ويُستثنى من الدينونة 29 خروج الأموات الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السَّيِّئات إلى قيامة الدينونة 31-41 شهادة الله للمسيح هي المقبولة لدى المسيح، لا شهادة الإنسان ولا تمجيده.
وفي هذا الأصحاح أربع إشارات:-
الإشارة الأولى
{1 وبعد هذا كان عيدٌ لليهود، فصعد يسوع إلى أورشليم}+
والإشارة إلى الخروج 23: 16 و34: 22 واللاويّين 23: 16 والعدد 28: 26
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف:
[إلى أيّ عيد أشار يوحنّا هنا؟ لا نعلم، لكن المرجَّح أنهُ لم يكن عيد الفصح، وإلّا لأشار إليه كقوله {وكان فصح اليهود قريبا، فصعد يسوع إلى أورشليم}+ يوحنّا 2: 13
كان مطلوبًا من يسوع كإسرائيلي أن يحضر إلى أورشليم ثلاث مرّات كلّ سنة عند المواسم الثلاثة الكبار (خروج 23: 17) غير أن الوحي لا يذكر صعودهُ هنا ليُظهر تقواهُ كإسرائيلي بل خدمتهُ كابن الله في المدينة المختارة التي رفضت إلهها حين أتى إليها بملء البركة.
لا يخفى أن الأعياد والمواسم والاحتفالات الدينية تناسب شعبًا أرضيًّا لأنها من الأركان الضعيفة الفقيرة التي لا توافق مقامَنا كمسيحيّين مدعوّين إلى المجد ومتَّحِدِين بالمسيح الآن بالروح القدس. لاحظ-ي أن يوحنا يُشير إلى العيد كشيء يهودي لأنهُ يتخذ اصطلاح مؤرِّخ أجنبي قائلا: كان عيد لليهود... إلخ كأنّ يسوع ليس منهم. ثم يصف لنا حادثة تاريخية استعدادًا لِذكرهِ آية الشفاء التي أجراها المسيح في ذلك الوقت] بقلم بنيامين بنكرتن.
وفي تفسير آخر- بتصرّف:
[لا يذكر هنا اسم العيد وذلك بقصد إلهي. ربما كان عيد الخمسين الذي حدث بعد الفصح المشار إليه في يوحنّا 2: 13 بخمسين يوما. كان عيد الخمسين أحد الأعياد الثلاثة التي طلب الناموس إلى كل إسرائيلي أن يذهب فيها إلى أورشليم.
يفترض إنجيل يوحنا أن رفض الرب من شعبه القديم كان من بداية خدمته، وهذا ما يفسر تردد الرب كثيرًا على أورشليم واليهودية، وهو يعلّمنا أنْ حيثما كثرت الخطيئة ازدادت النعمة جدّا]- بقلم هلال أمين.
ـــ ـــ
الإشارة الثانية
{10 فقال اليَهُودُ لِلَّذي شُفِي: إنَّهُ سَبت! لا يَحِلّ لَكَ أنْ تَحمِلَ سَرِيرَك}+
والإشارة إلى الخروج 20: 11 وإرميا 17: 24
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف:
[فقال اليهود}= أي قال رؤساؤهم الدينيّون.
أمّا بعد فإنّ المسيح هو ربّ السبت (مرقس 2: 28+ لوقا 6: 5) وقد جاء ليعطي سبتًا (أي راحة) من نوع جديد عوض الراحة الجسدية القديمة (عبرانيّين 4: 10) وإجابة المُقعَد تدلّ على تقديره شخص المسيح أكثر من السبت؛ أيسمع للناموس الذي لم يُشفِهِ أمْ يسمع للمسيح الذي شفاه؟ فبدت مشكلة اليهود مع المسيح؛ أوّلًا: الشفاء في السبت. ثانيًا أنّه قال للمفلوج أن يحمل سريره، في وقت غالى اليهود في موضوع السبت حتى أنهم قالوا إنّ مَن حمل إبرة في ثيابه في السبت فقد كسره. والسيد المسيح شرح لهم أنّ الأعمال الصالحة جائزة يوم السبت، كالختان ورفع خروف من حفرة، ليفهموا ألّا يتقيّدوا بالحرف (لاويّين 12: 3+ يوحنّا 7: 22-24+ متّى 12: 2-8 و11-12+ يوحنّا\ 9) لكن منبع كراهية اليهود للمسيح الحسد، لا كسر السبت، إذ اشتهر المسيح بعمل المعجزات.
وواضح أنّ القدّيس يوحنّا كفّ عن الاعتراف باليهود كشعب لله- حسبما دَوَّن {كان عِيدٌ لليهود} في آية الأصحاح الأولى]- بقلم القس أنطونيوس فكري.
وفي تفسير مسيحي آخر:
[خاصمه القادة فاتّهموه بكسر السبت. حسبوا ذلك العمل تدنيسًا للسبت، وإذ يمارسه علنًا في وسط المدينة وعمدًا فإنه مستحقّ للرجم. لم يدركوا أنّ حسدهم تجاه السيد المسيح هو الذي يدنّس سبوتهم وأعيادهم. ذهب السيد المسيح إلى المفلوج ليهبه حياة جديدة وإمكانيات جديدة، وها هم الرؤساء يستدعون المسيح ليجدوا علّة لقتله، كقول المرتِّل: "الشِّرِّير يراقب الصِّدِّيقَ محاوِلًا أن يميته}+ المزامير 37: 32] بقلم القمّص تادرس يعقوب ملطي
ـــ ـــ
الإشارة الثالثة
{37 والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي. لَمْ تسمعوا صوته قطّ، ولا أبصرتُم هيئته}+
والإشارة إلى {فكلَّمَكم الرّبّ من وسط النار وأنتم سامعون صوت كلام، ولكن لم تروا صورة بل صوتا}+ التثنية 4: 12
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف: [لم تسمعوا صوته}= فالمسيح يقول لليهود عن نفسه إنّهُ صوت الآب {ولا أبصرتم هيئته}= فالمسيح هو هيئة الآب. فمغلقة آذانهم الروحية وعيونهم الروحية. ومعنى كلام الرب: أنتم لم تعرفوني فأنا صورة الآب. ولو عرفوا الآب لعرفوا المسيح والعكس. والآب يشهد للمسيح بفم أنبيائه وآخِرُهم المعمدان، كلّهم تنبأوا عن المسيح، ولو أخلص اليهود في فهم ناموسهم لعَرَفوا المسيح]- بقلم القس أنطونيوس فكري.
ـــ ـــ
الإشارة الرابعة
{46 لأنَّكم لو كنتم تصدِّقون موسى لكنتم تصدِّقونني، لأنّهُ هو كتب عنّي}+
والإشارة إلى التكوين 3: 15 و22: 18 و49: 10 وإلى التثنية 18: 15
وتعليقي أنّ قول السيد المسيح عن موسى النبي {لأنّهُ هو كتب عنّي} لَأقوى حُجّة في رأيي بأنّ موسى هو الذي كتب التوراة، وبأنّ المسيح هو النّبيّ الذي قصده موسى بقوله: {15 يُقيمُ لكُم الرّبُّ إلهُكُم نبيًّا مِنْ بَينِكُم، مِنْ إخوَتِكُم بَني قومِكُم مِثلي، فاَسمَعوا له... 18 أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيُكلِّمهم بكلّ ما أوصيه به}+ التثنية\18
هذا الذي فَهِمَ تلاميذُ المسيح بالروح القدس فأحسنوا الفهم؛ إليك شهادة بطرس، خلال عظته في اليهود الذين تعجبوا من موهبته في شفاء كَسِيح، باَسمِ يَسوعَ المَسيحِ النّاصِري:
{فإنّ موسى قال: سَيُقيمُ الرَّبُّ إلهُكُم مِنْ بَين إخوتِكُم نَبيًّا مِثلي، فاَسمَعوا لَه في كُلّ ما يَقولُهُ لكُم}+ أعمال الرسل 3: 22
أمّا الذين فهموا قصد موسى النبي، من غير تلاميذ المسيح، فمِنهم استِفانوس شهيد المسيح، بل أوّل الشهداء؛ إذ وعظ اليهود ممتلئًا من الإيمان والروح القدس (أعمال الرسل 6: 5) وقد وردت آية التثنية المذكورة في عِظته:
{هذا هُوَ مُوسَى الَّذِي قالَ لِبَنِي إِسرَائِيل: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُون}+ أعمال الرسل 7: 37
وكانت هذه العظة سبب هجوم اليهود عليه ورجمه أمام شاول الطرسوسي (بولس الرسول فيما بعد) إذْ كان {واقِفًا وراضِيًا بقتْلِه وحافِظًا ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوه}+ أعمال الرسل 22: 20
فمُخْطِئٌ الذي زعم أن موسى قصد بقوله {أُقِيمُ لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك} شخصًا آخر غير السيد المسيح. إنّما على المخطئ أن يستعين بالإنجيل، أو بتفسير مسيحي، للتحرّي عن أيّة شائعة غريبة روَّجها مفترون ضدّ الكتاب المقدَّس أو جهلة. وبالمناسبة؛ أدعو القارئ-ة إلى قراءة عِظة استفانوس (أعمال الرسل\ 7) لأنّها لخّصت مشروع الخلاص الإلهي بالفداء الثمين من إبراهيم إلى المسيح. عِلمًا أنّ كاتب سِفر الأعمال لوقا الإنجيلي نفسه.
بقِيَ أن أحيط القارئ-ة عِلمًا بأحد التفاسير المسيحية لآية يوحنّا 5: 46 فاخترت الذي تحت عنوان (أربعة شهود ليسوع بصفته ابن الله)- بتصرّف:
[جعل الرب يسوع كتابات موسى على مستوى سلطة كلامه بالذات. ونتذكّر في هذا السياق أنّ {الكِتاب كُلُّه مِن وَحيِ الله}+ 2تيموثاوس 3: 16 لذا سواء أقرأنا العهد القديم أم العهد الجديد، نحن في الواقع نقرأ كلمة الله نفسها. ولو أن اليهود آمنوا بكلمات موسى لآمنوا أيضًا بالرب يسوع المسيح، ذلك لأن موسى كتب عن المسيح الآتي. ولنا مَثَل على هذا في التثنية 18: 15 و18 ففي هذين العددين؛ تنبّأ موسى عن المسيح الآتي داعيًا الشعب اليهودي إلى الإصغاء إليه وإلى إطاعته لدى قدومه. وآنذاك؛ جاء الرب يسوع، لكن اليهود أحجموا عن قبوله. لذا خاطبهم الرب بالقول إن موسى هو الذي سيشكوهم إلى الآب (يوحنّا 5: 45) بما أنهم ادّعوا الإيمان بموسى من دون الحرص على القيام بما أمَرَهم موسى به. كما أنّ الرب يسوع صرّح بوضوح من خلال عبارته {كتب عنّي} بأنّ أسفار العهد القديم تحتوي على نبوءات تخصّه. وقد عبّر أوغسطينوس (القدّيس) عن هذه المسألة باختصار بقول ما معناه: إنّ الجديد لَفي القديم مُضَمَّنُ * أمّا القديم فبالجديد يُبَيَّنُ]- بقلم وليم مكدونالد.