لقد سبق لي التنويه، في أزيد من مناسبة، بأنّ الرحمان، أو الرحمن، الذي وسعت رحمته كلّ شيء (الأعراف:156) لا يمكن أن يوحي بالقول: (إنّ الذين كفروا بآياتنا سوف نصْليهم نارًا كلّما نضجتْ جلودُهم بدّلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب...)- النساء:56 إمّا كان رحيمًا وصادقًا وأمينا، وأضيف أيضًا أن الرحمان المذكور لا يُعقَل أن يوحي بالقول: (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان)- الأنفال:12 ولا بأقوال أخرى على شاكلتها. ولقد تقدّم في إحدى مقالاتي- عائض القرني: آمَنتُ بالمَسِيح– ج3 زنادقة وملاحدة
أنّ الكفر المقصود ليس إلّا تكذيب دعوة "محمد" في وقت قال بلسان ربّه: (أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)- يونس:99 وهذي المقولة وتلك مِن علامات تناقضات القرآن الدّالّة على بشريّته وعلى استحالة نسبة القرآن إلى الله. لكني هنا سأركّز على مصدر كلمة الرحمان؛ لماذا أدرجها "محمد" في البسملة دون غيرها من "أسماء الله الحسنى" باستثناء "الرحيم"؟ حسبما وصلني مِن التراث الإسلامي.
ـــ ـــ
هل الرحمان رحمان اليمامة؟
لقد بات من المعلوم أنّ مؤلّف القرآن حاول استمالة مَن حوله إلى دعوته؛ مِنهم قريش حتّى ذكر آلهتهم بخير (انظر-ي تفسير الطبري للحجّ:52) ومِنهم اليهود حتّى قال بلسان ربّه (وأني فضّلتكم على العالمين)- البقرة:47 كذا في الجاثية:16 وأيضا: (ولقد اخترناهم على علم على العالمين)- الدخان:32 ومِنهم النصارى (بأن منهم قسّيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون)- المائدة:72 وأضاف الصابئين إلى اليهود والنصارى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصّابئين مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)- البقرة:62 واعترف بأن الله هو الذي يفصل يوم القيامة ما بين المؤمنين بدعوته وبين غيرهم: (إن الذين آمَنوا والذين هادوا والصابئين والنصارىٰ والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله علىٰ كل شيء شهيد)- الحج:17 وهذا كلّه قد جرى ما قبل انقلابه عليهم، حسب تفسير سورة التوبة.
ومِنهم أهل الهرطقات فجعل (مَثَل عيسى عند الله كمَثَل آدم)- آل عمران:59 ومنهم أهل الكتب المنحولة فزعم أنّ الطفل يسوع كلّمَ النّاسَ في المَهد (آل عمران:46) عِلمًا أنّ السيد المسيح قد صنع المعجزة الأولى بعد بلوغة سنّ الثلاثين (لوقا 3: 23) ومِنهم الشّعراء؛ إذ أصغى إلى قصائدهم باهتمام، فتأثّر بما تُليَ عليه، والواضح لي أنّه اقتبس من هذا وذاك؛ مِنهم أميّة بن أبي الصَّلت- مثالا- وهو الذي قال "محمد" فيه "آمَن شعرُه وكفر قلبُه" وإليك التالي مِن شعره، على وزن بحر الطويل:
فقالتْ لَهُ أَنّى يَكونُ ولَم أَكُنْ – بَغيًّا ولا حُبلى ولا ذاتَ قَيّمِ
وقالَ لَها مَن حَولَها جِئتِ مُنكَرًا – فَحَقٌّ بأَن تُلحَي عَلَيهِ وتُرجَمي
فأَدرَكَها مِن ربّها ثمَّ رَحمَة – بِصِدقِ حَديثٍ مِن نَبيٍّ مُكَلَّمِ
أَنِيبي وأَعطي ما سُئِلتِ فأنَّني – رَسولٌ مِن الرَحمنِ يَأتِيكِ باٌبنمِ
وأُرسِلتُ لَم أُرسَلْ غَويًّا ولَم أَكُنْ – شَقيًّا ولَم أُبعَثْ بِفُحشٍ ومَأثَمِ
..............
والتالي على بحر الوافر:
إِلَهُ العالَمينَ وكُلِّ أَرضٍ – ورَبُّ الرّاسِياتِ مِنَ الجِبالِ
بَناها وابتَنى سَبعًا شِدادًا – بلا عَمَدٍ يُرَينَ ولا رِجالِ
وسَوّاها وزَيَّنها بِنورٍ – مِنَ الشَمسِ المُضيئةِ والهِلالِ
ومِن شُهُبٍ تَلألأُ في دُجاها – مَراميها أشَدُّ مِنَ النِّصَالِ
وشَقَّ الأَرضَ فاٌنبَجَسَتْ عيونًا – وأنهارًا مِنَ العَذبِ الزُّلالِ
ومِنهم مسلمة بن حبيب الحنفي، الملقّب إسلاميّا بـ "مسيلمة الكذّاب" إذ تفوّق عدد المؤمنين بدعوته على عدد المؤمنين بدعوة محمد. وقد سمّى مسلمة إلهه بالرحمان، ما قبل ظهور قرآن محمد، حتّى عُرِف بـ "رحمان اليمامة" لذا أظنّ أنّ محمّدًا حاول الجمع ما بين الله (إله أهل الكتاب، كلمة آراميّة الأصل معناها: العالي) وبين الرحمان (إله مسلمة، كلمة عبرانيّة الأصل دالّة على الرحمة) حتّى قال بلسان ربّه: (قُل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى...)- الإسراء:110 وقوله هذا بمثابة عهد أمان لمسلمة وقومه، فلا يتعرَّض له محمد وجنوده بغزوة ما، وهذا ما حصل في الواقع؛ فلا أظنّ أوّلًا بإطلاق صفة "الكذّاب" على مسلمة بن حبيب في حياة محمد، إذ أشرك محمد مسلمة معه في الدعوة! ثانيا: لم يشنّ المسلمون حربًا على مسلمة وقومه إلّا في عهد الخليفة الأوّل، ربّما لتحصيل الزكاة منهم، بل قتل الخليفة المذكور مسلمين للسبب عينه، معتبرًا أنّهم ارتدّوا عن الإسلام، فيما عُرِف بـ "حروب الردة" في وقت سمعت المفكّر العراقي الشيعي السيد إياد جمال الدين يقول [إنّ حدّ الرّدّة لا وجود له في القرآن] وفي إمكانك مشاهدة حواره مع الأخ رشيد مساء العشرين من أبريل 2017 بتوقيت أوروبا، على الرابط التالي وغيره:
سؤال جريء الحلقة 489 ما هي أسباب الإرهاب الإسلامي؟
هذا ما توصّلت إليه مِن تصفّح كتب إسلامية عدّة عبر الانترنت، لعلّ من أهمّها "المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الاسلام" للباحث العراقي د. جواد علي، ومِن تقصّي الحقائق التي توصّل إليها أعلام العصر الحديث، من الجنسين، فإليك المقتطفات التالية:
خبر رحمن اليمامة
نقلًا عن مدوّنة تحت عنوان "مسيلمة عليه الصلاة والسلام" قدَّم لها مدوِّنُها التالي، والإيضاح منّي ما بين هذين القوسين () فبتصرّف:
[لا بدّ من مراجعة موضوعية لمسألة مسيلمة، ليس من أجل تصحيح التاريخ وردّ الإعتبار له ولقومه فقط، ولكن من أجل تصحيح بعض الأفكار والأحكام المسبقة الحُبلى ببذور التطرف والإرهاب، فثنايا التاريخ، رغم المحاولات الكثيرة لتزويره وطمسه، تحمل في طيّاتها الكثير من المفاجآت والعديد من الحقائق التي هي في غاية الأهمية بالنسبة للحاضر والمستقبل.
خبر رحمن اليمامة
يقول الدكتور جواد علي في كتابه- المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الاسلام:
وقد وَفَدَ وَفْدٌ منهم، فيه مسيلمة بن حبيب الذي عُرِف بـ"الكذّاب" لادعائه النبوة، وقد طلب من الرسول أن يشركه معه في الأمر (أي في الدعوة المحمدية) وادّعى النبوة، ثم قُتِل. سجع سجعات مضاهاة للقرآن. وممّن في هذا الوفد "رحّال بن عنفوة" وقد شهد لمسيلمة أن رسول الله أشركه في الأمر فافتتن الناس به.
.......
وأنا أشكّ في صحة أكثر ما نُسِب إلى "مسيلمة" من كلام وقرآن. وهو "مسيلمة بن حبيب الحنفي" المكنى بـ "أبي ثمامة" والمنعوت (أي الموصوف) بين المسلمين بـ "الكذاب" واسمه الصحيح "مسلمة" وقد صُغِّر في الإسلام ازدراءً بشأنه. فقد رُوي أنّه صنع قرآنًا مضاهاة للقرآن، غير أنهم لم يتحدثوا بشيء عن قرآنه. واذا صحّ ما ذكره أهل الأخبار مِن أنّه ادّعى الوحي بمكّهَ أو باليمامة قبل الإسلام، وأنّه نزّل على نفسه آيات زعم أنّها تنزيل من الرحمان، فيكون قد باشر بتأليف قرآنه قبل الوحي (المحمدي) وقد سبق لي أن تحدثت في الجزء السادس من هذا الكتاب عن عبادة الرحمن، وقلت إنّ قريشًا قالت للرسول لمّا نزل الوحي بـ "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن..." أتدرون ما الرحمن الذي يذكره محمد؟ هو كاهن باليمامة! وأنها قالت: "دُقّ فوك إنّما تذكر مسيلمة رحمن اليمامة" وكان قد تسمّى بالرحمن.
.......
وأنا لا أستبعد احتمال مجيء مسيلمة إلى مكة قبل الإسلام. فقد ذُكِر أنّه تزوج كبشة "كيسة بنت الحارث... بن عبد شمس" وهي من مكة، فلا يعقل عدم مجيئه إلى مكة وإقامته بها بعض الوقت، ومجيئه إليها بين الحين والحين. ومِن هنا كان لأهل مكة عِلم بدعوة مسيلمة إلى عبادة "الرحمان" وقد قال: "أنا شريك محمد في النبوة، وجبريل عليه السلام ينزل عليّ كما ينزل عليه" وكان الرحّال بن عنفوة من الساعين في نصرته، وكان مسيلمة يقول: "يا بني حنيفة، ما جعل الله قريشًا بأحقّ بالنّبوّة منكم، وبلادكم أوسع من بلادهم، وسوادُكم (أي عددكم) أكثر من سوادهم، وجبريل ينزل على صاحبكم مثل ما ينزل على صاحبهم".
.......
أمّا الرحّال بن عنفوة فهو من وجوه "بني حنيفة" واسمه "نهار" وكان في الوفد الذي جاء إلى الرسول، وقد اختلف إلى أُبَيّ بن كعب (أي تردَّد إليه المرَّة تلو المرّة) ليتعلّم منه القرآن. وقد تعلّم سورة البقرة وغيرها. وذُكِر أنّه كان على غاية من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن، ثم انقلب على عقبيه وصار مِن أشدّ أعوان مسيلمة المقرّبين له، فشهد له أن الرسول أشركه معه في الأمر.
.......
وقد أمر "مسيلمهّ" عمرو بن الجارود الحنفي بتدوين كتابه الذي وجّهه إلى الرسول، فأمر الرسول كاتِبه أُبَي بن كعب بالردّ عليه. ومعنى هذا أن مسيلمة قد اتخذ له كتبة يكتبون له رسائله، على نحو ما كان لرسول الله. فأنا لا استبعد احتمال علم مسيلمة بالكتابة والقراءة وإن لم ينصّ أهل الأخبار على ذلك. كما لا أستبعد احتمال التقائه باليهود وبالنصارى وأخْذه منهم، فقد كان في اليمامة قومٌ من أهل الكتاب، ودعوته الى عبادة إله هو "الرحمن" تدلّ على تأثّره بأتباع هذه الديانة وبأهل الكتاب] انتهى الاقتباس.
وتعليقي: لقد ظلم المسلمون مسلمة بن حبيب ظلمًا شديدا، كما ظلموا كثيرين غيره حتّى اليوم! لكنّ مِنهم مَن أنصفه؛ فكتب التالي على مدوّنته- بتصرّف:
[جرت العادة بتسميته ظلما وعدوانا بـ "مسيلمة الكذاب" لكنّه مسلمة بن حبيب الحنفي؛ دعا إلى عبادة الله الواحد باسمه الرحمن وسمّته قريش "رحمن اليمامة" لكن أطلق عليه الغزاة إسم "مسيلمة الكذاب" تحقيرًا له ولقومه، وشنّوا عليه حرب إبادة، فقتلوه وأبادوا أصحابه فيما سُمِّي بحديقة الموت.
لم يكن "رحمن اليمامة" كاذبا ولا ظالمًا بل كان رجلًا صالحًا ورسولًا نبيئا في قومه. ما المانع مِن أن يبعث الله في قرية واحدة رسولين أو أكثر، يقول الوحي: (واضرب لهم مَثلًا أصحابَ القرية إذ جاءها المُرسَلون. إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنا إليكم مُرسَلون)- يس: 13-14
لكنّ الغزاة المتدرّبين على الحروب أحسن تدريب رأوا فيه عقبة أمام طموحاتهم الظالمة وفرصة سانحة لحصد مغانم رخيصة]
وأردف المدوِّن في السطر التالي مستشهدًا بكتاب د. جواد علي- المُفصَّل:
[يقول د. جواد علي: لا أستبعد ما نُسِب إلى "مسيلمة" من دعوى نزول الوحي عليه، وتسمية ذلك الوحي "قرآنا" أو كتابًا أو سِفرا، لكنّي أستبعد صحّة الآيات (المُضحِكة) التي نسبتها الكتب إليه... تلك قضية لا يمكن إثباتها، فلمّا قُتِل، دخل مَن دخل مِن أصحابه في الإسلام وطُمِس أثر ذلك القرآن...] انتهى.
ـــ ـــ
الرحمن والرحيم في معجم لسان العرب (باب: رحم)
لقد اقتطفت التالي من "لسان العرب" لابن منظور، لمعرفة عدد من آراء مفسِّري القرآن وأهل التأويل في "الرحمان" وفيه أيضا معنى "الرحيم" قرآنيّا. فبتصرّف:
[الرَّحْمة: الرِّقَّةُ والتَّعَطُّف... والرَّحْمَةُ المغفرة... وتَرَحَّمْتُ عليه أَي قلت رَحْمَة الله عليه... وتَرَحَّم عليه: دعا له بالرَّحْمَة... وقوله تعالى: "والله يَخْتَصُّ برَحْمته من يشاء"- البقرة:105معناه يَخْتَصُّ بنُبُوَّتِهِ من يشاء ممّن أَخْبَرَ عَزّ وجَلّ أَنّه مُصطفىً مختار.
الله الرَّحْمَنُ الرحيم: بُنيت الصفة الأُولى على فَعْلانَ لأَنّ معناه الكثرة، وذلك لأَن رحمته "وسِعَتْ كل شيء"- الأعراف:156 وهو أَرْحَمُ الراحمين، فأَمّا الرَّحِيمُ فإِنما ذُكِر بعد الرَّحْمن لأَن الرَّحْمن مقصور على الله عزّ وجلّ، والرحيم قد يكون لغيره؛ قال الفارسي: إِنما قيل "بسم الله الرَّحْمن الرحيم" فجِيءَ بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرَّحمَة لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى: "وكان بالمؤمنين رَحِيما"- الأحزاب:43
قال الأَزهري: ولا يجوز أَن يقال رَحْمن إِلاَّ لله عزّ وجلّ... وحكى عن أبي العباس في قوله "الرَّحْمن الرَّحيم" جمع بينهما لأَن الرَّحْمن عِبْرانيّ والرَّحيم عَرَبيّ...
قال الجوهري: الرَّحْمن والرَّحيم اسمان مشتقان من الرَّحمة، ونظيرهما في الله نَديمٌ ونَدْمان، وهما بمعنى (واحد) ويجوز تكرير الاسمين إِذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد كما يقال فلان جادٌّ مُجِدّ، إِلّا أَنّ الرحمن اسم مختص لله تعالى لا يجوز أَن يُسَمّى به غيره ولا يوصف، أَلا ترى أَنه قال: "قل ادْعُوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَنَ؟" فعادل به الاسم الذي لا يَشْرَكُهُ فيه غيره، وهما من أَبنية المبالغة، ورَحمن أَبلغ من رَحِيم، والرَّحيم يوصف به غيرُ الله تعالى فيُقال رجلٌ رَحِيم، ولا يقال رَحْمن.
وكان مُسَيْلِمَة الكذاب يقالُ له رَحمان اليَمامة، والرَّحيمُ قد يكون بمعنى المَرحوم...
ورَحمَةُ الله: عَطفُه وإِحسانه ورزقه... إلخ] انتهى.
وتعليقي- أوّلا- على القول (فأَمّا الرَّحِيمُ فإِنما ذُكِر بعد الرَّحْمن لأَن الرَّحْمن مقصور على الله، والرحيم قد يكون لغيره) بسؤال: كيف وَصَفَ مؤلِّفُ القرآن الخالقَ بصِفة "الرحيم" وهي ليست له، إنّما لغيره، ثمّ مَن غيره؟ والجواب: أنّ غيره هو الذي قيل لتخصيص المؤمنين به (محمد) فإنْ كانت صفة الرحيم لغير الله، إنّما لمحمد، فأنّ "بسم الله الرحمن الرحيم" بالنتيجة شِركٌ بالله. وهذه إحدى مسائل تفسير القرطبي- ممّا بعد قليل.
وتعليقي- ثانيا- على قول الأزهري (ولا يجوز أَن يقال رَحْمن إِلّا لله) بسؤال: إذًا كيف أجاز "محمد" لنفسه قول "الرحيم" التي قيلت لغير الله؟
وبالمناسبة؛ سُمِّيت صفات الله في القرآن بالأسماء الحسنى، فالمفترض ألّا يوصف الله بصفة وُصِف بها غيره، بغضّ النظر عن اختلاف الفقهاء في الأسماء الحسنى؛ على أنّ بعضها لا يليق بسمعة الله ولا منزلته، كالمُضِلّ والماكر والمتكبِّر، فهذه مِن صفات إبليس وجنوده.
أمّا تعليقي- ثالثا- على قول الأزهري (جمع بينهما لأَن الرَّحْمن عِبْرانيّ والرَّحيم عَرَبيّ) فأتساءل: ما دخل لغة أخرى كالعبرية في كتاب "نزل" بلسان عربي مُبين؛ يَبين لقارئه أنّه نزل بلسان العرب وليس بلسان اليهود؟ وبالمناسبة؛ إذا كانت العبريّة مهمّة في نظر محمد فلماذا أخذ عنها "الرحمان" من صفات الله أو أسمائه، جاعلًا منها أولى صفات الله في واحدة من أولى سور القرآن، حتّى باتت الأولى في المصحف العثماني، بينما ترك صفات أخرى هي التي لها الأولوية كالمُحِبّ؟ لأنّ محبّة الله شاملة جميع البشر؛ إذ خلق الله الإنسان لأنّه أحَبَّ الإنسان {نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلا}+ 1يوحنّا 4: 19 فلمّا أخطأ تحنّن الله عليه ورحمه. فلا يكتبنّ إليّ أحد أنّ القرآن مِن وحي إلهي، وإلّا فليُجبْ أوّلًا على تساؤلاتي بمنطق سليم، عقلانيًّا ولغويّا، مع حجّة مُقْنِعة كلّما اقتضت الحال.
وتعليقي- رابعا- على قول الجوهري (الرَّحْمن والرَّحيم اسمان مشتقان من الرَّحمة،... ويجوز تكرير الاسمين إِذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد،... ورَحمن أَبلغُ من رَحِيم) هو إذا 1كان الإثنان مشتقَّين من الرحمة، وإذا 2وسعت رحمة الرحمان كلّ شيء، وإذا 3اعتُبر "الرحمن" أبلغ من "الرحيم" فلا مبرِّر للتوكيد بـ "الرحيم" لأنّ المفترض برسالة القرآن إيصال رسالة ما وليس استعراض بعض "عضلات" البلاغة! لأنّ البلاغة مألوفة في الشعر العربي، ما لا حاجة إليه في القرآن، إلّا إذا أحسّ مؤلِّفه بعقدة العجز عن مواكبة الشعراء الفطاحل الذين عاصرهم، كالنابغة الذبياني والأعشى قيس وأميّة بن أبي الصلت والخنساء، فحاول حلَّها بالقرآن. ودليل العقدة في قوله بلسان ربّه: (وما عَلَّمناه الشِّعر وما ينبغي له إنْ هو إلّا ذِكر وقرآن مُبين)- يس:69 فلا حاجة بعد ما تقدَّم إلى التوكيد بالرحيم.
وتعليقي- تاليا- على قول الجوهري (والرَّحيم يوصف به غيرُ الله تعالى فيُقال رجلٌ رَحِيم، ولا يقال رَحْمن) هو: بأيّ حقّ إذًا وَصَفَ مؤلِّفُ القرآن الله بـ"الرحيم" إذا وَجَبَ أنْ يُوصَفَ به غير الله؟
هكذا حاول كثير من المفسِّرين تبرير كلّ ما أتى به مؤلِّف القرآن، كما جرت العادة، حتّى إذا ناقضوا أنفسهم بأنفسهم بدون انتباه، على أنّ [مَن اجتهد في مسألة ما فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر] وإليك- مثالًا لا حصرا- ما قرأت في تفسير الطبري لسورة ن أو القلم:
[والصواب مِن القول في ذلك عندنا أنّهما قراءتان فصيحتان بأيَّتهما قرأ القارئ أصاب... إلخ] لكن المشكلة تكمن في معرفة القراءة المدوّنة في "اللوح المحفوظ" فلا يُعقل أنّ القراءتين المقصودتين مدوّنتان معًا في لوح واحد أو كتاب واحد. ربّما غابت هذه الإشكاليّة عن ذهن الطبري.
وأقول ما قبل ختام هذه الجُزئيّة: أين محلّ الرحمة من قلب الرحمان، أو الرحيم، في إجلاء اليهود من بني النضير ومن بني قينقاع، وفي الضرب فوق أعناق بني قريظة- حسب تفسير الأحزاب:26 وفي غزو تبوك لسبي بنات الأصفر ونساء الروم- حسب تفسير التوبة:49؟
وبالانتقال إلى تفسير القرطبي المذكور قبل قليل؛ نجد مفاجأة مِن عيار ثقيل، هي الشِّرك بالله في إحدى مسائل تفسير البسملة القرآنية؛ إذ ذكر أنّ فيها سبعًا وعشرين مسألة، فإنْ واصلنا قراءة التفسير حتّى المسألة السادسة والعشرين نجد أن "الرحيم" من صفات "محمد" ليس المقصود بها أحد "أسماء الله الحسنى" فبتصرّف: [وقيل إن معنى الرحيم أي: بالرحيم وصلتُم إلى الله وإلى الرحمن، فـ"الرحيم" نَعتُ محمد (أي صفة محمد) وقد نعته تعالى بذلك فقال عنه: (رؤوف رحيم)- التوبة:128 فكأنّ المعنى أن يقول "بسم الله الرحمن وبالرحيم" أي وبمحمد وصلتُم إليّ، أي باتّباعه، وبما جاء به وصلتُم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي والله أعلم] انتهى.
لذا يمكنك استنتاج وجود ثلاث شخصيات في البسملة القرآنية؛ الأولى: الله- إله أهل الكتاب المقدَّس، من التوراة إلى سِفر الرؤيا. والثانية: الرحمن- رحمان اليمامة- إله مسلمة بن حبيب. والثالثة: الرحيم- محمد. فأين التوحيد في البسملة القرآنية، أفليست شِركًا بالله حسبما تقدّم؟
أمّا تعليقي على مقولة القرطبي "بمحمد وصلتُم إلى الله" هو التالي؛
أوّلا: لا نبيّ مِن بعد المسيح بمعنى المُرسَل ولا رسول إلّا مِن رسل المسيح وخدّامه. فالسيد المسيح هو {الألف والياء، البداية والنهاية، الأوّل والآخِر}+ رؤيا يوحنّا 1: 8 و11 و21: 6 و22: 13 لذا فأنّ الناس تصل إلى الله بالسيد المسيح فقط؛ والدليل في الإنجيل بلسان السيد المسيح: {أنا هو الطريق والحقّ والحياة، لا يجيء أحد إلى الآب إلّا بي}+ يوحنّا 14: 6
فبعض الصفات المعروفة بأنها من صفات السيد المسيح، أو من ألقابه، نسبها مسلمون إلى مؤلِّف القرآن زورًا أو جهلا؛ منها أيضًا {الأمين والصادق}+ رؤيا يوحنّا 3: 14 فهل يُعقَل أن يجيء مؤمن-ة إلى الله بغير السيد المسيح القدّوس، الخالي من أيّة خطيئة، وهل هو إلّا الله الظاهر في الجسد؟
ثانيا: لا نصَّ إلهيًّا (أي في الكتاب المقدَّس) دالّ على قيام أنبياء من بعد المسيح إلّا الكَذَبة: {ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويُضِلون كثيرين}+ متّى 24: 11 و24:24 ومرقس 13: 22 وفي رسالة بطرس الثانية 2: 1 وفي رسالة يوحنّا الأولى 4: 1
ثالثا: لقد عجز محمد عن إثبات شرعيّة دعوته، سواء أمام كفّار قريش وأمام أهل الكتاب، إذ لم يؤيّده الله بمعجزة ما أمام الناس وفي وضح النهار، كما أيّد موسى النبي وغيره. عِلمًا أنّ محمّدًا خالف جميع وصايا الله المدوَّنة في الكتاب المقدَّس؛ منها: لا تقتلْ! لا تزنِ! لا تشتهِ امرأة قريبك! لا تسرقْ!... إلخ.
رابعا: تكفي تناقضات القرآن والأخطاء المرصودة فيه؛ لاهوتيًّا ولغويًّا وعِلميًّا وتاريخيّا، أدلّة قاطعة بأنّ القرآن موحًى به من جهة أخرى غير الله. وفي مقالاتي النقدية عدد من البراهين الساطعة.
وقد يكفي- خامسا- ذِكر الحديث التالي، ممّا فصَّلت في الجزء الأوّل من هذه المقالة؛ إذ روى أحمد في مُسنده عن رسول الإسلام قوله: [لا يدخل أحَدُكم الجنّة بعمله) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلّا أنْ يتغمَّدني الله منه برحمة وفضل) وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأسِه] ثمّ رواه البخاري ومسلم بالمعنى نفسه. فالذي لا يستطيع أن يشفع لنفسه يوم الحساب العظيم كيف يشفع لغيره؟
وبالمناسبة؛ ليست الشفاعة المحمدية غير ممكنة فحسْب، إنّما من غير الممكن أيضا تقدير مَن يدخل الجنّة أو النار، لأنّ هذا يقرّره الله يوم القيامة لا العبد، إذا افترضنا جدلًا أنّ الله أرسله، إلّا إذا أشرك الرسول نفسه بالله أو حاول أن يحلّ محلّ الله سواء بقلبه ولسانه؛ فقد ورد الحديث الكارثيّ التالي في صحيح مسلم، كتاب الإيمان ص94 باب "مَن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومَن مات مُشركًا دخل النار" وهذا نصّه- بتصرّف: [حدّثني... أنّ أبا ذرّ (الغفاري) حدّثه؛ قال: أتيت النبي وهو نائم عليه ثوب أبيض ثم أتيته فإذا هو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فجلست إليه فقال: "ما مِن عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلّا دخل الجنة" قلت: وإنْ زنى وإنْ سرق؟ قال "وإن زنى وإن سرق" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق" ثلاثا، ثم قال في الرابعة على رَغْم أنف أبي ذرّ! قال فخرج أبو ذرّ وهو يقول: وإنْ رَغِمَ أنفُ أبي ذرّ] كما رواه بمعناه كلّ مِن أحمد في مُسنده والبخاري في صحيحه، ومعنى "وإنْ رغم أنف فلان" هو [وإنْ ذَلّ، وقيل: وإنْ كَره]- لسان العرب: رغم.
وتعليقي: يعني لي هذا الحديث ثلاثة؛
أوّلا؛ أنّ قرار الرحمان بدخول جميع الموحِّدين الجنّة، وإن زنى بعضُهم وإن سرق، يناقض اثنتين من وصايا الله العشر في الكتاب المقدَّس (لا تزنِ! لا تسرقْ!) حاشا الله أن يناقض نفسه.
ثانيا؛ أنّ قرار الرحمن بدخول جميع المشركين النار، حتّى إذا امتازت سِيَر بعضهم بالوقار والصلاح وسائر أعمال الخير، يناقض به رحمته إذْ وسعت كلّ شيء! فهل يناقض الرحمن نفسه؟
ثالثا؛ كيف يقبل عاقل بهذا الدين وكيف يصدّق الذي ادّعى به، ما لا يرضى به ضمير حيّ؟ إنّ القرار متروك لكَ أخي المسلم، ولكِ أختي المسلمة، فإنْ بقيت على الإسلام فلا تلومنّ "الأزهر الشريف" على تجنّب تكفير "داعش" وغيرها، لأنّ مِن المدوَّن في راية داعش "لا إله إلّا الله" لذا فعليك- أيّها المجاهد في سبيل الرحمن الذي علّم القرآن- توحيده أوّلًا ثمّ الزنا بما طاب لك مثنى وثلاث وتساع... والسرقة أيضا، لكن لا تنسَ إعطاء خُمُسَ المسروق لخليفة رسول الرحمن ولذي القربى ...- حسب الأنفال:41
ـــ ـــ
باٌسم الآب والآبن والروح القدس- الإله الواحد- آمين
هذه هي "البسملة المسيحية" إن جاز التعبير: باٌسم الآب والآبن والروح القدس- الإله الواحد- يفتتح بها المسيحيّون جميع صلواتهم ويُباركون بها ويتباركون. وأقول: ربّما حاول "محمد" في بسملته مقابلة البسملة المسيحية، بدون محاولته فهم معناها، فابتدع ما ابتدع. هذا لأنّ جوهر أقانيمها (أي شخصيّاتها الثلاث) واحد هو الله. فالآب: الذات الإلهية الدّالّة على وجود الله. والابن: كلمة الله، عقله الناطق، به كلّم الأنبياءَ وسائر رجال الله. والروح القدس: روح الله الدّالّ على أنّه حيّ. فلا يُعقل أنْ يتصوّر المخلوق خالقه بدون عقل وبدون روح- حاشا الله- لعلّ مسألة الثالوث الإلهي اتّضحت الآن لجميع القرّاء، ومنهم الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات، فليس صعبًا إدراك هذه البديهة.
والمزيد عن مفهوم الأقانيم الثلاثة على موقع لينغا؛ فقد ورد التالي في إحدى مقالاتي- بتصرّف:
[إن المثلّث الهندسي، أيّاً كان شكله؛ يفقد جميع خواصّه إذا ما تمّ تجريده من أحد رؤوسه أو تلاشت إحدى زواياه أو اٌنكسر أحد أضلاعه. هذا ما يحصل للإنسان إذا ما غاب عن الوجود أو فقد عقله أو توقف القلب عن نبض الروح فيه. فالذات الإنسانية كينونة حقيقية أو وجود له صورة يمكن رسمها أو تصويرها لتحديد معالمها بدقة. والعقل هو المسيطر على جميع أقوال الإنسان وأفعاله وإحساسه. أمّا القلب فهو المسؤول عن ديمومة الروح في جميع خلايا الجسد وحواسّه. لذا يمكن القول إنّ الإنسان مثلّث الخواصّ؛ بوجوده وعقله وروحه، ومن خلالها تُعرَف هويّته ومعالم شخصيّته وصفاته، لكنّه يفقد كلّ شيء إذا ما تمّ تجريده من إحداها. فالثالوث الإنساني شبيه بالثالوث الإلهي، باستثناء فروق ثلاثة؛.......
أمّا أحد المعترضين إذ طلب إشارة حرفيّة إلى الثالوث، في الكتاب المقدّس، فلعلّه يستجيب إلى دعوة الإله الحقيقي من خلاله، وفيه أزيد من دليل على الثالوث، فليقرأ- مثالا- تفسير متّى\ الأصحاح الثالث، والتالي المدوَّن مِن لسان السيّد المسيح في أعقاب قيامته من الموت: {فتقدّم يسوعُ وكلمّهم قائلا: دُفِعَ إليّ كلّ سلطان في السّماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمِذوا جميعَ الأمم وعمِّدوهم باٌسم الآب والابن والروح القدس. وعلِّموهم أنْ يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كلّ الأيام إلى اٌنقضاء الدهر. آمين}+ آخِر إنجيل متّى. وليتأمّل في قول السيد المسيح “باٌسم” لم يَقُلْ “بأسماء” أي أنّ الثلاثة {الآب والابن والروح القدس} واحِد هو الله...] انتهى.
وهذه المقالة تحت عنوان: الثالوث الإلهي المقدّس