نقرأ في الأصحاح الثامن من إنجيل يوحنّا- حسب الترجمة المشتركة: 1-11 عفو المسيح عن المرأة الزانية. 12 المسيح نُورُ العالَم؛ فالذي يَتبَعه لا يمشي في الظَّلام، بل يكونُ لَه نُورُ الحياة. 13-58 سائر ردود المسيح على اليهود معلِّمًا ومُوبِّخا في الوقت عينه فآمن به كثيرون، وقد تضمّنت الردود ما يأتي: {23 أنتُم مِنْ أسفلُ، أمَّا أنا فَمِنْ فَوقُ. أنتُم مِنْ هذا العالَم، وما أنا مِنْ هذا العالَم... 31-32 إذا ثَبَتُّم في كلامي، صِرتُم في الحَقيقة تلاميذي: تَعرِفونَ الحقَّ، والحقُّ يُحرِّرُكُمْ... 34 مَنْ يَخطأْ كانَ عَبدًا لِلخَطيئة... 44 إبليس كذّاب وأبو الكذب... 46 مَنْ مِنْكُم يَقدرُ أنْ يُثبِتَ عَلَيَّ خَطيئة؟ 51 مَنْ عَمِلَ بِكلامي لا يَرى الموتَ أبدا... 58 قَبلَ أنْ يكونَ إبراهيمُ أنا كائِن. وأخيرا؛ أخذ اليهود حِجارَةً ليَرجُموهُ، فاٌختَفى عَنهُم وخرَجَ مِنَ الهَيكَل.
وفي هذا الأصحاح ثلاث إشارات إلى العهد القديم:-
الإشارة الأولى
3وجاءَهُ مُعَلِّمو الشَّريعةِ والفَرِّيسيُّونَ باَمرأةٍ أمسَكَها بَعضُ النـّاسِ وهيَ تَزني، فَاوقفوها في وَسْطِ الحاضرينَ، 4وقالوا لَه: يا مُعَلِّمُ، أمسَكوا هذِهِ المَرأةَ في الزِّنى 5وموسى أوصى في شَريعتِهِ بِرَجْمِ أمثالِها، فماذا تَقولُ أنت؟ 6وكانوا في ذلِكَ يُحاوِلونَ إحراجَهُ ليَتَّهِموهُ...}+ والإشارة إلى سِفر اللاويّين 20: 10
لكني أقول في البداية؛ توجد تفاصيل في الأصحاح الـ18 من سِفر اللاويّين تعلّقت بالزنى، إذ كتب القسّ وليم مارش، أحد مفسِّري العهد القديم، في معرض تفسير {ولا تُضاجعْ زوجةَ أحدٍ لِئلاَ تتَنجسَ بِها}+ لاويّين 18: 20 ما يأتي: [وجزاء ذلك الموت رجما (انظر-ي لاويّين 20: 10 وتثنية 22: 22 وحزقيال 16: 38 و40 ويوحنا 8: 5) وكان حَدّ الزاني عند المِصريّين ألف ضربة بالعصا وحدّ الزانية جدع أنفها. وعرب البادية لا يزالون يقتلون الزانية إلى هذا اليوم، بلا رحمة، ويشهد ذلك زوجها أو أبوها أو أخوها، وهذا شأن الأمم الشرقية] وتوجد تفاصيل أيضًا في أصحاحات العهد القديم المذكورة، أدعو إلى قراءتها وقراءة التفسير المرفق فلا يفسِّر القارئ على هواه.
أمّا تفسير آية يوحنّا 8: 5 فاخترت منه التالي: [كان ظاهر اتهام اليهود للمرأة توقيع القضاء عليها، محافظة منهم على القداسة العملية التي يدّعون أنهم يعيشون فيها، وباطنه أن يجدوا شكاية على الرب يسوع نفسه؛ فإنْ نفّذ وصيّة الناموس ودان المرأة فإذًا أين النعمة التي جاء يعلنها في أقواله؟ {لأنه لم يُرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم يل ليخلص به العالم}+ يوحنّا 3: 17 وإن فتح الرب أبواب النعمة للمرأة لتنجو من القضاء يصبح إذًا كاسِرًا الناموس الذي أوصى بقتل الزانية في لاويّين 20: 10 والتثنية 22: 22 وأين إذاً قوله {لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمِّل}+ متّى 5: 17 وبذلك ظنّوا أنهم أحكموا حوله خطّة لا يمكنه النفاذ منها. فقال لهم: {مَن كان منكم بلا خطيّة فليَرمِها أوَّلًا بحجر} فحوّل الرّبّ بذلك نور الناموس إلى أولئك المشتكين ليكشف حالتهم فقال لهم أنهم جميعًا مُدانون في نور الناموس...]- بقلم هلال أمين.
وتفسير عفو المسيح عن المرأة في الإشارة التّالية.
الإشارة الثّانية
{7ولَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسألونه، انتَصَبَ وقالَ لَهُمْ: مَنْ كانَ مِنكُمْ بلا خَطِيَّة فَلْيَرمِها أوّلًا بِحَجَر!}+ والإشارة إلى التثنية 17: 7
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف: [أثار عَفوُ الربّ يسوع عن المرأة الزانية استياءَ اليهود، لذا استمرّوا في الإصرار على ضرورة إجابته عن سؤالهم. عندئذٍ اكتفى يسوع بالتصريح بصحّة العقوبة التي نصّ عليها الناموس، على أن يقوم بتنفيذها شخص لم يقترف أيّة خطيّة! وبذلك يكون الرب قد صان ناموس موسى؛ فهو لم يقُل بإعفاء المرأة مِن مكابدة عقاب تصرّفها الشائن، لكنه اتّهم كلّ واحد من أولئك الرجال بأنه خاطئ أيضًا. فالذين يريدون أن يدينوا الآخرين، يجب عليهم أن يكونوا هم أنفسهم أنقياء! وهذا العدد (أي هذه الآية) غالبًا ما يُعتمَد لتقديم مبرّر لارتكاب الخطية، بحجَّة أننا بمنأى عن الملامة بما أن كل إنسان آخر تعدّى أيضًا واقترف بدوره أخطاء متنوعة، لكن هذا العدد لا يبرّر ممارسة الخطيّة إطلاقا، بل يَدين الذين يعتبرهم الله مذنبين وإن لم يمسكهم شخص متلبّسين بممارسة خطاياهم]- بقلم وليم ماكدونالد.
ـــ ـــ
الإشارة الثّالثة
{17وأَيضًا في نامُوسِكُمْ مَكتُوبٌ أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حَقّ: أَنا هُوَ الشَّاهِدُ لِنفْسي، ويَشهَدُ لي الآبُ الَّذِي أرسَلَني}+ انظر-ي متّى 18: 16 وكورنثوس الثانية 13: 1 وعبرانيّين 10: 28
فالإشارة إلى التثنية 17: 6 و19: 15
وفي التفسير المسيحي، بتصرّف: [أنا الشاهد لنفسي= (أنا هو) الشاهد لنفسي؛ بهذا يؤكد المسيح شخصيته الإلهية ومساواته للآب.
ناموسكم= لو حاكمهم بحسب الناموس لدانَهُمْ، فهُمْ لم يسمعوا للناموس، فموسى قال لهم عنه أنه هو النبي الذي سيأتي- التثنية 18:18
شهادة رجلين= (التثنية 17: 6) هنا المسيح يضع نفسه على مستوى الآب تمَاما. وهنا نرى الوحدة الذاتية القائمة بينه وبين الآب. فقد قال في الآية السابقة {لأني لست وحدي، بل أنا والآب الذي أرسلني} والمسيح أجابهم لأنّ منطقهم البشري كان سليمًا حين قالوا {أنت تشهد لنفسك}+ يوحنّا 8: 13 وشهادة الآب كانت أوّلًا يوم معمودية المسيح، وقد سَمِعها يوحنّا المعمدان، وثانيًا أعمال المسيح وأقواله.
...
ملحوظات على قصة الزانية:
المسيح القدوس أتى ليحمل خطايانا ويحرقها في جسده. ويمثّل هذا مذبح المحرقة الذي كانت تقدم عليه الذبائح التي تحترق بالنار التي نزلت من السماء، نار العدالة الإلهية. فهو لم يتسامح مع الزنا بل هو حمل الخطيّة ودانها بجسده- رومية 8: 3
المسيح وضع قانون أنّ الذي بلا خطية هو الذي يدين، والمسيح وحده بلا خطية لهذا فهو وحده الذي يدين، وحين دان فهو دان الخطية في جسده.
لو أهملنا الآن خلاص المسيح فدينونتنا أعظم (عبرانيين 10: 29-30) وهذا ظهر في دينونة حنانيا وامرأته سفيرة (أعمال الرسل\5) فالعهد الجديد ليس عهد تساهل مع الخَطِيّة.
...
لماذا لم تهرب المرأة مع مَن هرب؟
غفران المسيح لها ولنا هو عن حُبّ، ومن يكتشف هذا الحب ينجذب للمسيح ولا يريد أن يفارقه. قوة الحب والغفران في المسيح هي قوة جذب جبّارة.
من يكتشف النور لا يطيق البقاء في الظلام فالمرأة بجانب المسيح شعرت بالفرح والإطمئنان والسلام الذي لم تعرِف في حياتها.
ماذا أخذنا عن المسيح؟ والجواب في التالي: قداسة، حياة، نور، فرح، شركة في العمل، مجد، سلطان على إبليس.
قداسة المسيح حرّكت قلب المرأة فكرهت خطاياها مشتاقة إلى هذه الحياة المقدسة وأيضًا ستر المسيح عليها.
تحوّلت حال المرأة من العبودية للخطيئة والانكسار إلى الفرح. والمسيح صرفها إلى الحياة الجديدة مدعومة بقوة ترفض بها الخطية من داخلها، فاختبرت معنًى جديدًا للفرح. وربما أرادت أن تستمر بجانب المسيح، لكنه قال لها؛ اذهبي للعيش في العالم وقوّتي ستصاحبك وفرحي أيضا: {سأَراكُمْ فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، ولا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ}+ يوحنّا 16: 22
هي المرّة الأولى التي شعرت فيها بكيانها الإنساني، فانصرفت بإنسان جديد إلى حياة جديدة. عاملها الناس كجسد فيما مضى، لكنْ حين عاملها المسيح وجدت نفسها كإنسانة.
لذلك أتت الآية {أنا هو نور العالم} في الآية التالية مباشرة للقصة. أو نقول إنّ القدّيس يوحنّا وضع هذه القصة هنا، بإرشاد الروح القدس، إذ أن هذه المرأة هنا اكتشفت أنّ المسيح نور العالم]- بقلم القسّ أنطونيوس فكري.
وأقول تعقيبًا على تفسير {أنا الشاهد لنفسي} انظر-ي لُطفًا تفسير قول المسيح {إنّي أنا هو}+ يوحنّا 18: 6 الذي صُدِمَ به خُدَّامُ اليَهُود حينما أتوا ليقبضوا عليه أوّل أحداث الصلب، فلمّا قاله لهم هابوه فرَجَعُوا إلى الوَرَاء وَسَقَطُوا عَلَى الأَرض! هذا لأنّ قول الله في العهد القديم {أنا هو}+ الخروج 3: 14 هو [اسم الله المجيد الخاص بإعلان حضرته في وسط شعبه- تفسير القمّص تادرس يعقوب ملطي] أخبر به موسى النبي ليقوله لبني إسرائيل.
ـــ ـــ
لماذا لم ينقذ الله ابنه الوحيد من الموت؟
بالمناسبة؛ أنّ من الأحداث البارزة التي أظهر المسيح هيبته خلالها: دخوله الهيكل ليطهِّره (يوحنّا\2) فلم يجرؤ اليهود على منعه.
حتّى أحداث الصلب؛ إنّ المسيح هو الذي سمح بصلبه ابتداء بتسليم نفسه إلى اليهود فالرومان؛ قال لتلميذه- بطرس: {أتظنّ أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدِّم لي أكثر مِن اثني عشر جيشًا من الملائكة؟}+ متّى 26: 53 وقال له أيضا: {الْكَأْسُ الَّتِي أَعطَانِي الآبُ أَلا أَشرَبُها؟}+ يوحنّا 18: 11 هذا لكي يُتِمّ مشروع الخلاص الإلهي، كما تنبّأ عنه الأنبياء ولا سيّما أشعياء وداود، مقدِّمًا نفسه فداءً عن البشريّة كفّارة عن خطاياها، متحدِّيًا الموت بالقيامة، والتي منها بدأت بشرى الخلاص لكلّ من يؤمن\تؤمن به فاديًا ومخلِّصا، فنَشَرَ رسل المسيح هذه البُشرى- الإنجيل- في أصقاع الأرض واستشهدوا بفرح من أجلها، لأنهم شهود عيان على أحداث ذلك الزمان وعلى أماكنها. وهذا هو الجواب على السائلين بدون قراءة الإنجيل: لماذا لم يفعل الله شيئًا لتخليص ابنه الوحيد من الصلب؟
تجد-ين معنى {ابن الله} في أزيد من مقالة لكاتب هذه السطور؛ منها: هكذا تجسَّد الله
وأقول لهم: قد يتعرَّض كلّ إنسان إلى الصلب، وإلى غيره من العقوبات، لكنّ الحكمة في النظر إلى ما هو أبعد من صَلب المسيح، إلى قيامة المسيح من الموت في اليوم الثالث، كما تنبّأ الأنبياء. كأنّما المسيح قال لليهود الذين تآمروا على قتله وللرومان الذين صلبوه: "أتتحدّونني بالموت؟ قبلتُ منكم التحدّي، وسأريكم انتصاري على الموت وقيامتي منه، كما قالت النبوّات عنّي، بقوّة سلطاني الإلهي، فإنّي أنا هو!" لكنّي أسأل السّائلين في المقابل: مَن مِنكم يقدر على القيامة من الموت إذا صُلِب فمات؟ لا تقدرون، لا أنتم ولا الذي أضلّكم بنفي حادثة الصلب عن سيرة المسيح الإنجيلية. وأسألهم أيضا: طالما آمنتم أنّ المسيح حيّ في السماء، فلماذا تتّبعون الميت المقبور تحت الأرض ومصيره النار، إلّا إذا تغمّده الله برحمة منه وفضل، تاركين المسيح الحَيّ وهو الشفيع الوحيد؟ لعلّكم تتأمّلون في سيرة المسيح
http://www.injeel.com/Read.aspx
أخيرًا؛ تأمَّل-ي لطفًا في أقوال المسيح الحيّ، منها: {اَلسَّمَاءُ والأَرضُ تَزُولانِ ولكِنَّ كَلامِي لا يَزول}+ متّى 24: 35 ومرقس 13: 31 ولوقا 21: 33
وهو القائل لليهود: {الحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إبراهِيمُ أنا كائِن}+ يوحنا 8: 58