باركي يا نفسي الرب، وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس، باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته.
بهذا الاعلإن المبارك يبدأ الملك داود، ملك اسرائيل وقائد شعب الرب، نبي الله والمرنم ، يبدأ المزمور 103، ويقول باركي يا نفسي الرب، كأنه يخاطب نفسه بل ويأمرها بان يبارك الرب، لأنه اختبر في حياته احسان الرب ورحمته له، بعد ان سقط في خطايا الزنى والقتل، اختبر مراحم الله له بعد ان تاب دأود من كل قلبه عن خطية الزنى مع أمرأة أوريا الحثي، وقتله!
ومن يستطيع ان يبارك الرب ويرفع اسمه وحده، غير المؤمن الحقيقي بالرب الإله، الذي اختبر غفران الله لخطاياه، ونال الولادة الجديدة على حساب النعمة وعمل الروح القدس.
نرى ان دأود يبارك الرب بالروح القدس الذي كان معه، وفي عهد النعمة وعهد يسوع المسيح، كل مؤمن بالرب يسكن فيه روح الله، وبه نصرخ يا ابا الاب، ونبارك الرب يسوع من كل القلب، لأنه هو وحده مستحق والآب القدوس كل الكرامة والمجد والقوة، يسوع المسيح الذي فدانا بدمه من كل قبيلة ولسان وشعب وامة.
هو وحده يسوع مستحق ان نبارك اسمه على تواضعه، تجسده، ومحبته لنا حتى المنتهى، وليس فقط نبارك اسمه بالشفاه والكلام، مع ان الترنم للرب الإله شيء حسن ومبارك، ولكن نبارك اسمه من اعماق قلوبنا، اي ان العبادة والتسبيح هما أمر حقيقي ساكن في قلوبنا، وليس فقط بالشفاه كما تكلم اشعياء النبي في 3:29، بان هذا الشعب قد اقترب إليّ بفمه واكرمني بشفتيه، وأما قلبه فابعده عني، وصارت مخافتهم مني وصية الناس مُعَلَّمة.
أما الكنيسة شعب الرب فتحب الرب من كل القلب، لأنه هو احبنا أولا، وكل ما في باطننا يبارك اسمه القدوس، اي ان لا نترك اي رُكن في كياننا الداخلي لا يعبد ويبارك الرب.
يتابع دأود بالقول أنه علينا ان لا ننسى جميع حسنات الرب لنا، وهذا اختبار كل مؤمن مع رب، حتى لو اختبرنا احيانا أوقات صعبة وتجارب، لكن علينا ان لا ننحني أمامها، بل نذكر مراحم الرب علينا، والذي كان معنا الامس امينا، هو معنا إليّوم أيضاً وغدا، ولن يتركنا ابدا. لذلك علينا ان نتمسك بهذا الوعد المبارك، ولا ننسى ابدا احسانات الرب حتى في اصعب الظروف.
نقرأ في لوقا 13:12 مثل الغني الغبي، الذي كان همه الوحيد جمع الاموال والغلات، لكي يتمتع بملذات العالم فقط قائلا :
" يا نفس لك خيرات كثيرة، موضوعة لسنين كثيرة، استريحي وكلي واشربي وافرحي!
فقال له الله : يا غبي! هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي اعددتها لمن تكون ؟
هذا هو روح العالم وفكره، نأكل ونشرب ونفرح، هذه الامور. التي تطلبها الامم.
أنها امور حسنة وجيدة خلقها الله لكي نتمتع بها، ولكن ليس عليها ان تأخذ المكان والفكر الأول في حياتنا، وعلينا ان لا نتشبه بذلك الغني الغبي، الذي كان كل همه امواله وراحته الشخصية، بل علينا ان نجتهد بان نبارك الرب في حياتنا، بالاعمال قبل الاقوال.
لكننا نحن أيضاً احيانا نضعف ونفتر، وينخفض صوت الترنيم والتسبيح في بيوتنا بل وقلوبنا أيضاً، ربما لأننا اصبحنا عبيد لأمر اخر غير الرب، وكما يتابع الملك دأود في المزمور بذكره الذنوب أو الخطايا، ربما سقطنا في حفرة ما، وليس عندنا القوة للخروج منها!
باركي يا نفسي الرب، لماذا ؟ لأنه الرب، مخلصنا وسيدنا المبارك، لأنه الآب الحنان الرحيم، الطويل الروح وكثير الرحمة، ولأنه ان لم نصرخ نحن ونبارك الرب من كل قلوبنا، فان الحجارة سوف تصرخ!
وان اردنا بعض الاسباب لماذا علينا ان نبارك الرب، نتأمل بما يذكره المزمور :
- الرب يغفر جميع ذنوبك:
كما نقرأ ان دأود يستخدم الفعل المضارع " يغفر " ، وليس الفعل الماضي "غفر"، مع ان ذلك صحيح وصواب ان الرب غفر جميع ذنوب الماضي، ولكن يغفر أيضاً خطايانا اليوم، حتى وان زلت قدمنا فهو يبقى أمين وصادق في وعده، بأن يغفر جميع ذنوبنا، إن سكبنا قلوبنا أمامه بتوبة حقيقية وصادقة، وكما يقول الرسول يوحنا في رسالته الأولى، إن اخطأنا فدم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية، كما فعل مع المرأة التي أُمسكت في الزنى وغفر لها، وأوصاها ان لا تخطىء بعد.
- الذي يشفي كل أمراضك:
لأن الرب يسوع أخذ خطايانا على الصليب، وأسقامنا أيضاً، ومكتوب أيضاً أنه بحبره شفينا، فان كان أي مرض قد اصابنا فالرب قادر ان يشفي كل مرض، جسدي، نفسي أو روحي، وكما يقول داود عن الرب أنه يشفي جميع أمراضك، أيضاً هنا يستخدم الفعل المضارع لأن إلهنا حيّ ساكن معنا وفينا، وهو قادر أن يشفينا الى التمام خاصة من أمراض النفس والروح، مثل الكبرياء، الخوف والقلق، الإكتئاب وغيرها من أمراض النفس التي تنتشر وبكثرة في أيامنا هذه، فإن كنت مقيد بضعف أومرض معين تعال اليوم الى الرب يسوع بالإيمان، وهو قادر أن يشفيك إلى التمام!
- الذي يفدي من الحفرة حياتك:
قرأنا في الكتاب المقدس في كتاب صموئيل النبي عن الملك داود، وعن التجارب الصعبة التي مر بها، وعن "الحفر" التي سقط فيها، لكنه عرف دائماً أن يتواضع ويطلب وجه إلهه، والذي أنقذه من كل أعدائه.
ونحن أيضاً علينا ان نلقي بكل همومنا على الرب وهو يعولنا، هو يخرج من الحفرة حياتنا، فهو من أخرجنا من جُب الهلاك الأبدي والدينونة الرهيبة، كيف لا يُخرجنا من حفر هذه الحياة، ويحفظ أرجلنا من الإنزلاق، وحتى إن سقطنا فلا ننطرح لأن يمينه تحفظنا، ونقول مع المرنم، حتى وإن سرتُ في وادي ظل الموت لا اخاف شراً، لأنك انت معي.
- الذي يُكللك بالرحمة والرأفة:
فنحن أولاده، الذي احبنا، ووهبنا يسوع، فكيف لا يهبنا معه أيضاً كل شيء، هذا هو قلب إلهنا، الآب السماوي والرب يسوع المسيح، حتى أنه احيانا، يؤدبنا ويوبخنا كأبناء، حتى في النهاية يكللنا بالرحمة والرأفة، أي ان مراحمه أقوى وأعظم من كل ضعفاتنا وزلاتنا، حتى عدم أمانتنا أحياناً، فهو يبقى أميناً، لا يمكن ان ينكر نفسه!
- الذي يشبع بالخير عمرك:
لا ننسى ان الملك داود حينما يتحدث عن النفس، فهو لا يتكلم فقط عن الخير الجسدي كالطعام والشراب، لأن ملكوت الله ليس فقط هذا، بل هو بِر، سلام وفرح بالروح القدس، ومن غير يسوع المسيح قادر ان يشبع النفس حتى نقول مع المرنم : دوسي يا نفسي على العسل، بل نقول مع بولس الرسول أننا نحسب كل شيء خسارة، لكي نربح المسيح، مخلصنا، سيدنا وربنا الحبيب.
- فيتجدد مثل النسر شبابك:
هذا وعد الرب لنا أنه معنا كل الأيام، ويجدد حياتنا الروحية كل يوم، وإن كان هناك أي معوق لذلك، سواء كان ذنوب وخطايا، أمراض جسدية، نفسية أو حتى روحية، وإن كانت حياتنا اسيرة حفرة معينة، فهو الرب صاحب السلطان أن يغفر جميع خطايانا، ويشفي كل أمراضنا، ويخرج من الحفرة حياتنا، وهكذا يتجدد شبابنا الروحي كل يوم، ونسير مع الرب من مجد إلى مجد، ومن قوة إلى قوة، لكي نحب الرب من كل قلوبنا ونبارك اسمه من أعماقنا، ونرنم كل أيام حياتنا :
باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته...