نقرأ في انشودة المحبة (كورنثوس 5:13) ان المحبة لا تطلب ما لنفسها، وهذا خلافًا للطبيعة البشرية لان الانسان يفكر دائمًا بذاته، مصلحته الشخصية، عائلته، وعلى الاكثر اصدقائه واحبائه.
كلمة الله تعلمنا انه حتى العشارون يفعلون هذا، يحبون من يحبهم، (متى 46:5) فأي أَجر لهم ولنا ان تمثلنا بهم، واحببنا فقط من احبنا؟ وسلمنا فقط على اخوتنا؟
هذا فكر العشارون، ان نحب ونسلم فقط على من يحبنا، فكر العالم، فكر وعقيدة المُتَدَيِّنين، أُحِب الذين يحبونني، لان الاخرين غير مستحقين، هم من دين غير ديني، لا ينتمون الى طائفتي وكنيستي، هم مختلفين عني، انا الافضل، انا الاحسن والافهم!
ليس المسيح هكذا، لان فكر يسوع مخالف تمامًا فكر العالم، وهذا ما علمنا اياه سيدنا ان نحب ونبارك حتى الاعداء والمقاومين، ونبارك من يلعننا.
نرى سيدنا المبارك، الرب يسوع المسيح، يخاطب الآب القدوس قائلاً:
" الهي، الهي، لماذا تركتني؟" (متى 45:27، مرقس 34:15)، ونقرأ ان قوم من الواقفين هناك، اي امام يسوع المصلوب، لما سمعوا قالوا: انه ينادي ايليا!
نقول لا، يسوع لم ينادي ايليا، كما نسمع حتى في ايامنا هذه انه شُبِّهَ لهم، فمن هو هذا المصلوب؟ هل هو ايليا، يوحنا المعمدان او أحد الانبياء؟
نقول ثانية لا ايها الاحباء، انه يسوع المسيح الرب، ابن الله، يصرخ من على الصليب الهي الهي لماذا تركتني، ونقرأ ايضًا انه كانت ظلمة على كل الارض، وليس فقط في الارض بل ظلمة في قلوب من صلبوا الرب يسوع ظُلمًا، ظلمة في قلوب من بصقوا عليه، جلدوه، اهانوه حتى صلبوه وقتلوه!
في اول كلماته على الصليب قال الرب يسوع:
يا ابتاه، اغفر لهم، لانهم لا يدرون ماذا يفعلون، من اجلي ومن اجلك، بل من اجل العالم اجمع يسوع طلب من الآب ان يغفر لنا جميعًا، عندها خاطب الله الآب، وطلب من الآب الغفران والرحمة، من اجلنا جميعًا كلم يسوع الله "الآب" ، ولكن من اجله هو خاطب الله بكلمة "الهي"، فهذه هي المحبة، من اجلنا يخاطب الله الآب، اما من اجله يقول الهي، اي الله العادل والديان، لأنه اخذ خطايانا في جسده على عود الصليب في ساعات الظلمة، وهذا ما تنبأ به اشعياء ان الرب وضع عليه أِثم جميعنا (اشعياء 6:53)، مع انه لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غِشٌّ 9:53، ولكن من اجل السرور الموضوع امامه، احتمل الصليب مستهينًا بالخزي (عبرانيين 2:12)، وهذا ما يخبرنا به بطرس في رسالته الاولى 22:2، ان المسيح ايضًا تألم لاجلنا، الذي لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه مكرٌ، الذي اذ شُتِمَ لم يكن يشتم عوضًا، واذ تألم لم يكن يُهَدِّد بل كان يسلم لمن يقضي بالعدل، الذي حمل هو نفسه (اي يسوع المسيح) خطايانا في جسده على الخشبة، واصبح لعنة لاجلنا، لانه مكتوب ملعون كل من عُلِّق على خشبة.
ويسوع ايضًا بذاته اعلن:
" من منكم يُبَكِّتني على خطية؟ " (يوحنا 46:8)،
كذلك قال تبارك اسمه القدوس في يوحنا 29:8:
" والذي أرسلني، اي الله الآب، هو معي، ولم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حين افعل ما يرضيه ".
مبارك اسم يسوع المسيح، ربنا الحبيب الذي جال يصنع خيرًا، ويحرر من تسلط عليه ابليس، عاش حياة ملؤها التواضع والعطاء، طاعة كاملة وخضوع تام للآب القدوس، لم يفعل شراً ما، لم يُخطئ حاشا له!
يسوع يخبر ان الآب كان معه دائمًا، لأنه كان يفعل كل حين ما يرضيه، والله الآب لم يتركه وحده، لكن في ساعات الظلمة على الصليب، ترك الآب يسوع المصلوب!
نستغرب لماذا اظلمت الدنيا في اورشليم عندما صلب رب المجد يسوع المسيح؟
تألم الام جسدية رهيبة وقاسية جدًا، آلام نفسية من ترك التلاميذ والاحباء، تألم لأنه جاء الى خاصته، اي الشعب اليهودي، وخاصته لم تقبله، بل صلبوه وقتلوه بمؤامرة مع الرومان، مع ملوك الارض هيرودس وبيلاطس، وما زالوا يصلبون ربنا كل يوم ويؤلمون قلبه برفضهم له، وكل من سقطوا من النعمة، اي كل من اتكل على بره الذاتي، او دينه، ورفض التوبة الحقيقية من كل القلب والرجوع الى الله الحي، الذين لا يمكن تجديدهم ايضًا للتوبة، اذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويُشَهِّرونه! (العبرانيين 6:6)، كذلك يقول الكتاب ان اخطأنا باختيارنا بعدما اخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، اي كل من يرفض خلاص يسوع المجاني، بسفك دمه، موته وقيامته، لا يوجد اي شيء اخر قادر ان ينقذ من الدينونة والهلاك والجحيم!
لا اصوام ولا صلوات، لا احتفالات ولا اعياد، لا انتماء الى دين او اي تدين قادر ان يخلصك، بل قبول دينونة مخيف، وغَيرَةُ نارٍ ان تأكل المضادين، اي اعداء الصليب ورافضي دعوة يسوع المخلص.
فكم عقابًا أَشَرَّ تظنون انه يحسب مستحقًا من داس ابن الله يسوع المسيح، وحسب دم العهد الذي قُدِّس به دنسًا، وازدرى بروح النعمة؟! (عبرانيين 29:10).
هذا كلام صعب جدًا ايها الاخوة، كما أعلنه الرسول، كلمة تحذير قوية جدًا لكل معاند ومقاوم للحق الالهي، لكل مؤمن اختبر الرب وابتعد عن مراحم الله، ما زال يسوع يدعوا الى الرجوع اليه من خلال معبر الصليب، والثقة بالدخول الى الاقداس بدمه الكريم الذي سفك على الصليب، وكذلك لكل معاند ومقاوم لهذه الدعوة لأنها ليست دعوة بشر بل دعوة من الله للتوبة.
داود تنبأ عن صلب المسيح في المزمور 22 قائلاً:
" الهي الهي لماذا تركتني "، كذلك اعترف داود بإثمه في المزمور 51 بانه اليك (اي الى الله) وحدك اخطأت، والشر قدام عينيك صنعت، وهذا ما قاله داود لناثان النبي، قد أخطأت الى الرب، فقال ناثان لداود:
" الرب ايضًا قد نقل عنك خطيتك، لا تموت (صموئيل الثانية 13:12).
ان كان نبي الله داود يعترف بخطيته، فهل نعترف نحن بخطايانا التي ارتكبناها ضد الله وضد البشر، لانه بخطايانا نحن نخطئ اولاً الى الله، لذلك نقرأ ان يسوع اخذ خطايانا في جسده، لان يسوع هو ابن الانسان والذي مات عن كل انسان، عني وعنك، لكي نخلص نحن من الدينونة والموت الابدي، ولكن يسوع هو ايضًا الله المتجسد، وينبغي ان الذي مات عن خطايانا ان يكون ليس فقط انسانا بل الله بذاته، لان الخطية ارتكبت اولاً ضده هو كما اخبرنا النبي داود، لذلك ينبغي ان الذي مات عنا يجب ان يكون انسانًا كاملاً بلا خطية اي يسوع المسيح، وفي نفس الوقت الله بذاته، لأنه غير محدود، لأنه كيف يمكن انه بموت انسان واحد ان يفدي البشرية جمعاء، من ايام آدم الى يومنا هذا؟
فشكرًا لله الآب القدوس، الذي أرسل لنا الفادي والمخلص يسوع المسيح، الانسان الكامل، وفي نفس الوقت حامل الطبيعة الالهية، اي الله الابن.
وهنالك من يتساءل بل وللأسف الشديد يستهزئ ايضًا قائلاً: هل الله يموت؟ وايضًا اقرأ الكثير من التعليقات على المقالات في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الاسئلة: ان كان يسوع الله قد مات على الصليب كما تدَّعون، فمن كان الذي يدير العالم عندها؟
للإجابة على هذه التساؤلات نقرأ ما قاله الروح القدس على فم بطرس الرسول في رسالته الاولى 18:3، ان المسيح ايضًا تألم مرة واحدة من اجل الخطايا، البار من اجل الاثمة، اي انا وانت، لكي يقربنا الى الله الآب، مُماتًا في الجسد ولكن مُحيىً في الروح، الذي فيه ايضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن، اذ عصت قديمًا، اي ان الانسان يسوع مات في الجسد، ولكن بروحه لم يمت، وهل الروح تموت؟
كذلك عندما مات المسيح بالجسد وأسلم الروح، يمكن القول ان الذي مات هو الله، ولكن الله لا يموت، وهذا ما نقرأه في اعمال الرسل 28:20، احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرعية التي اقامكم الروح القدس فيها اساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه، اي ان الله الابن يسوع المسيح اقتنانا بدمه الكريم، وهذا يؤكد موت الانسان يسوع، حامل الطبيعة الالهية التي لا تموت.
قال الملاك لمريم، القدوس المولود منك يدعى ابن الله اي يسوع المسيح، كذلك عندما اعتمد يسوع في الاردن سُمِع صوت الله الآب قائلاً:
"هذا هو ابني الحبيب، الذي به سُررت" (متى 17:3)
كذلك عند التجلي كان صوت من السحابة قائلاً:
"هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا" (متى 5:17).
فان كان الله الآب القدوس شهد عن ابنه الحبيب، وانه سُرَّ به، كذلك الملاك يشهد ان ذلك المولود لم يكن فقط انسان ولا حتى فقط نبي، بل هو الله الابن المتجسد، كلمة الله الازلي الابدي، الذي قَبِلَ كل انواع الشر ، الرفض والاهانة حتى الصلب والموت كانسان، واصعب ما واجهه المسيح هو ترك الآب له على الصليب، لان الله قدوس ولا يقدر ان ينظر الى الخطية التي حملها يسوع في جسده، ولكن مجداً لله لأنه بعد ما حمل يسوع خطايانا في جسده على الصليب مات كخاطئ عنا جميعًا، وبموته غُفِرت خطية كل من يؤمن بعمله الكفاري، وتأكيدًا على قبول الله الآب بكفارة المسيح، ان الله اقامه في اليوم الثالث.
فان كان الله الآب القدوس لم يشفق على ابنه الوحيد، الذي سُرَ به، الذي صنع كل مشيئته، يسوع المسيح القدوس البار، الذي حمل خطايا العالم بجسده على الصليب، فكم بالحري تهرب انت من الغضب الاتي والدينونة ان رفضت يسوع المسيح ونعمة الخلاص ورسالة الانجيل؟
ما زالت صرخة الحبيب يسوع المسيح وهو على الصليب تُدَوِّي في قلوبنا: إلهي إلهي لماذا تركتني؟
ونحن اليوم نعلم ونشهد ان أعيُن الرب الاله على خائفيه، على اولاده وشعبه، وانه لنا شركة مع الآب القدوس وابنه يسوع، لأنه في ذلك اليوم، قبل حوالي الفي سنة، في ساعات الظلمة، في اورشليم ،حجب الله الآب وجهه عن ابنه الحبيب يسوع، عندما اخذ خطايانا على عود الصليب، من اجلي انا وانت.