نقرأ في المزمور 69 الاعداد 20-21 ما تنبأ به داود عن المسيح، " انتظرت رِقَّةً فلم تكن، ومعزين فلم أجد، ويجعلون في طعامي علقمًا، وفي عطشي يسقوني خلاً ". وهذا قد تحقق في حياة سيدنا المبارك وهو على الصليب، كما دوَّن لنا متى البشير 48:27، مرقس 36:15، وفي يوحنا 28:19 نقرأ انه " بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل، فلكي يتم الكتاب قال - أنا عطشان ".
ما هذه القسوة! انسان مصلوب ومتألم، ينزف دمًا من يديه ورجليه، متعب ومنهك، آلام مبرحة بظهره من الجَلد، يطلب القليل من الماء فيعطوه خلاً؟!
ولكن ليتم الكتاب كان هذا، بل كل ما كان من ألم، صلب وموت كان بإذن من الله وبحكمة منه، وهذا ايضًا دليل وشهادة على محبة الله ورأفته، مقابل قسوة الانسان وعدم ايمانه!
كيف لله الابن، يسوع المسيح الرب ان يعطش، أليس هو الخالق؟ أليس به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء ممن كان، وبه كانت الحياة؟
كيف لمن كون البحار، الانهر والوديان ان يعطش؟!
نعم انه يسوع المسيح المبارك، الاله العجيب، ايضًا في هذا الامر هو عجيب، لأنه مع كونه الله الخالق، فقد عطش، وفي عطشه ايضًا رأى قسوة شديدة، مع انه اطعم الجياع، وروى العطاش، لكنه على الصليب قال : انا عطشان ولا مجيب!
وهل الله يعطش؟ بل ويتألم ايضًا وينزف دمًا؟
يسوع الانسان، بطبيعته البشرية تألم، نزف دمًا بل وعطش ايضًا، ولم يتجرأ أحد ان يقدم له كأس ماء بارد، كما اوصانا الحبيب، ولكن بهذا ايضًا أخفقوا وضاع اجرهم!
يذكر لنا الانجيل المقدس انه عندما طعنوا يسوع، بعدما اسلم الروح، خرج منه ماء ودم، وكان هذا شهادة حي على مجد ابن الله يسوع المسيح تبارك اسمه، دليل قاطع على انه قد مات، وخرج ماء ودم، ليس فقط ماء او دم بل كلاهما، الماء، ماء الكلمة، كلمة الله الذي تجسد يسوع المسيح، صاحب التعليم الالهي، فهو المعلم والسيد، من وهب للعالم كلمة الله وتعاليمه السامية اي الانجيل، ولكن سيدنا لم يكن فقط صاحب كلام كباقي البشر، لكنه من جال يصنع خير ويحرر من تسلط عليهم ابليس، وكما قال لنا لوقا في كتاب اعمال الرسل 1:1، ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به، نعم اخوتي كان يسوع اولاً يفعل، يفعل فقط الخير لا الشر، حاشا له، وبعد الافعال كان يتكلم ويعلم، ليس كالانسان، وليس كالانبياء الكذبة الذين من اعمالهم نعرفهم انهم ليسوا من عد الله وليسوا من رسله! بل الحبيب يسوع كان يعمل الاعمال وفقط بعدها يعلم، فهو مثلاً من علمنا ان نغفر، وهو قبلنا قد غفر لمن اضطهده، شتمه بل صلبه وقتله ايضًا.
طعنوه، فخرج ماء ودم، ماء كلمة الحياة الذي يروي عطشنا الروحي، ويروي كل عطشان الى البِر، ولكن ايضًا الدم الذي سفك، الذي فقط به لنا غفران لخطايانا.
يسوع عطش على الصليب، وبعطشه روى قلوبنا بالفرح، السلام والمحبة، وكما يقول الكتاب ايضًا انه افتقر، وبفقره أصبحنا اغنياء، لا بالمال، لا بالفضة والذهب، ولكن اغنياء بالماء الحي، كلمة الله والوعود المباركة، اغنياء بروحه القدوس الذي وهبنا، فهو من نادى في اليوم الاخير العظيم من العيد، وما زال النداء للخليقة اجمع: " ان عطش أحد فليقبل الي ويشرب، من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه انهار ماء حيٍ، قال هذا عن الروح القدس الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه ".
نعم اخوتي، قَبِلنا الروح القدس لان سيدنا عطش على الصليب، بل ومُجِّد ايضًا كما يتابع يوحنا قائلاً، وهو من روى عطش الامرأة السامرية، وهو يريد ان يروي عطشنا جميعًا، بل ويدعوا اخرين لينبوع الماء الحي، فهو من قال للسامرية من يشرب من هذا الماء، ماء العالم، الخطية، الشهوة وملذات العالم يعطش ايضًا، كما السامرية التي كان لها خمسة أزواج، والسادس الذي كان معها لم يكن زوجها.
امر مؤلم ومحزن جدًا، لان الانسان يظن انه بالشهوة وكثرة العلاقات يُشبع قلبه، ولكن دون جدوى!
السامرية كانت بعلاقة مع ستة رجال، وهذا رقم انسان كما نقرأ في رؤيا يوحنا، رقم الانسان، 666، رقم الشر، الخطية، الشهوة، فعبثًا يبحث الانسان عن السعادة والفرح الحقيقي من خلال اخوه الانسان، او الشهوة والخطية، لكن الشبع والارتواء الحقيقي هما فقط من الماء الحي، كلمة الله، يسوع المسيح تبارك اسمه.
فهل نتعلم نحن من السامرية، ونترك نحن ايضًا جرتنا، جرتنا البشرية ومواردنا الجسدية، ونقول للناس: " هلموا انظروا انسانًا قال لي كل ما فعلت " يوحنا 29:4.
فلا تخاف ولا تقلق مما فعلت، اخي واختي، تعال الى المسيح الذي يريد ان يروي عطش قلبك للسلام والفرح الحقيقي، بل للبِر ايضًا، الخلاص والحياة الابدية، فهذا ما نادى به النبي القديم اشعياء 1:55: " ايها العطاش جميعًا هلموا الى المياه، والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا. هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرًا ولبنًا. استمعوا لي استماعًا وكلوا الطيب، ولتتلذذ بالدسم انفسكم. اميلوا اذانكم وهلموا الي، اسمعوا فتحيا نفوسكم، واقطع لكم عهدًا ابديًا ".
كانت هذه دعوة اشعياء للشعب القديم، وربنا يسوع نادى في يوم العيد العظيم، وهو اليوم ينادي الجميع لانه لا عيد عظيم من دون يسوع والماء الحي، لا جمعة عظيمة ولا فصح مجيد من دون يسوع، لا اضحى ولا ذبائح وتديُّن بشري يروي القلب، ولكن يسوع وحده لا غير، فهو الذي يقدسنا، نحن كنيسة الله وكل من يسمع هذه الدعوة، مطهرًا اياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن، بل تكون مقدسة وبلا عيب. (افسس 26:5).
والله بمقتضى رحمته، لا بأعمال في بِرٍّ عملناها نحن، خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا، حتى إذا تبررنا بنعمته، نصير ورثة حسب رجاء الحياة الابدية. (تيطس 5:3).
هل ما زلنا نتذمر كالشعب القديم، عندما تذمروا في البرية على موسى بسبب العطش، لأنهم لم يجدوا ماءً؟
هل نقبل نحن العطش في برية هذا العالم كما قبل الرسول المبارك بولس، ام نتذمر إذا عطشنا قليلًا ولا نتمثل بسيدنا المبارك يسوع المسيح على عود الصليب؟
نعم اخوتي كما يقول الكتاب ان كلمة الله حلوة للحنك، لكنها مُرَّ للجوف، سماع الكلمة ام جيد ومبارك ايضًا، ولكن ان نعيش الكلمة وان لا نكون فقط سامعن لها فهو امر مكلف واحيانًا مُر ايضًا، دعونا نتمثل بسيدنا المبارك الذي عطش هو ايضًا على عود الصليب، لكي لا تخور قوانا في برية هدا العالم.
وهل ما زلنا نقول ان الماء مُر، كلمة الله مُرَّ، هذا الواعظ وهذا الخادم كلامه غير جيد، وهو لا يجيد الوعظ!
هل نصلي نحن لخدام الكلمة حتى لو ضعفوا، ام نتذمر كما تذمر الشعب القديم على موسى؟! (خروج 24:15).
صرخ موسى الى الرب، فاراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذبًا. وفي هذه الايام، ايام فصح اليهود، فصح المسيحيين، نسمع صرخة أعظم من صرخة موسى، انها صرخة يسوع الحبيب، يسوع المصلوب، من على عود الصليب، انا عطشان.
فان كانت الشجرة التي طرحها موسى في ماء مارة، قد جعلت الماء المر عذبًا، كم بالحري صليب المسيح (رمز الشجرة)، الماء والدم الذين خرجا من جنبه المطعون، لا يكونوا سبب خلاص وحياة ابدية، شبع وارتواء روحي، عندما عطش من اجلنا الحبيب!
حتى في ايامنا هذه، هناك "عطش" في قلب سيدنا المبارك يسوع المسيح بسبب عدم الايمان وقساوة القلوب، رفض الدعوة للتوبة والخلاص، والبحث عنه من خلال الدين والتدين والاعياد.
هناك "عطش" شديد في قلب الحبيب، ان يرى كنيسة جامعة مقدسة رسولية، لا شرقية وغربية، بل كنيسة واحدة، عروس ومحبوبة واحدة لعريسها المبارك.
هناك "عطش" في قلبه لكي يرى وحدة الكنيسة، وحدة الخدام تحت راية الانجيل الواحد، الرب الواحد، الآب والروح الواحد!
فهل نروي قلب الحبيب ام "نسقيه خلاً" بانشقاقاتنا وتحزباتنا، كما فعلوا عند اقدام الصليب؟!
اخوتي واحبائي، هل في قلوبنا شوق وانتظار مقدس ان نسمع من فَم الملك العظيم يسوع المسيح:
" تعالوا يا مباركي ابي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني، محبوسًا فأتيتم الي، فيجيبه الابرار، متى يا رب كان كل هذا؟ فيجيب الملك ويقول لهم، الحق اقول لكم، بما انكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الصغار، فبي فعلتم ".
هل نروي قلب سيدنا، بإرواء عطش اخوتنا الصغار، لأنه حتى كأس ماء بارد، لا يضيع اجره!