في عنوان المقالة حرفان- الألف والياء- مكتوبان باللغة اليونانية للإشارة إلى أحد ألقاب السيد المسيح المستحقّ كلّا منها، فلم يأتِ المسيحيون بألقابه من بنات أفكارهم بل من الإنجيل! كالألف والياء (رؤيا يوحنّا 1: 8 و11 و21: 6 و22: 13) و{حَمَل الله الذي يرفع خطيّة العالم}+ يوحنّا 1: 29 و36 بالإضافة إلى {ابن الله، كلمة الله، الأمين الصادق...} والمزيد في مقالتي- ألقاب الرب يسوع- المدوَّن رابطها (1) في هامش المقالة.
أمّا في إنجيل اليوم- الأصحاح الـ15 من إنجيل يوحنّا- فنقرأ للمسيح لقبًا جديدًا: الكَرمة الحقيقية. والكرمة شجرة عنب. وقد ورد اللقب في كلام السيد المسيح مع تلاميذه قُبَيل ساعة إلقاء القبض عليه، فهو 1-5الكرمة الحقيقية والآب هو الكرّام (غارس الكرمة) والتلاميذ هم الأغصان. ونقرأ تاليًا 12يسوع يوصي التلاميذ بالمحبة ويعرّف الحبّ الأعظم: أن يضحّي الإنسان بنفسه في سبيل أحبّائه. 14يسوع يُسمِّي الذين يعملون بوصاياه أحبّاء لا عبيدًا فيُعطيهم الآبُ كلَّ ما يطلبون باٌسم المسيح. 20تشجيع التلاميذ على مواجهة التجارب وتحمّل الاضطهادات. 22رفع العذر عن اليهود. 26المسيح يُرسِل المُعَزّي- روح الحقّ المنبثِق من الآب.
ـــ ـــ
الإشارة الأولى
وفي هذا الأصحاح إشارات كثيرة، إليك منها التالي؛
في قول المسيح: {1أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرّام. 2كل غصن فيّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر أكثر}+ إشارة إلى المزمور 80: 9-14 وإشعياء 5: 3-4 وإرميا 2: 21 وغيرها. ففي التفسير المسيحي، بتصرّف:-
[ما كان ممكنًا لشخص يهودي أنْ يتوقّع من المَسِيّا أن يشبّه نفسه بالكرمة، فقد ترقّب اليهود مجيئه مَلِكًا مخلِّصًا لهم، صاحب سلطان يردّ لشعبه كرامتهم في العالم ويهبهم سلطة ملوكية. أمّا التشبيه بالكرمة فيخصّ الشعب أو كنيسة الله.
لقد غرس الله جنّة عدن ليتمتع آدم وحوّاء ونسلهما بثمارها، باستثناء شجرة معرفة الخير والشّرّ. فإذْ حَرَمَ الإنسانُ نفسَه من هذه الجنة ليعيش في أرض تنبت له شوكًا وحسكًا، قدّم الله عبر الأجيال إمكانيات إلهية ليجعل من شعبه كرمة مثمرة تقدّم عنبًا يُستخرج منه خمر روحي مفرح. وجاء العهد القديم مليئًا بالمراثي على هذه الكرمة التي لم تثمر إلّا مرارة. فجاء في مرثاة الكرمة التي أنشدها آساف: {نحنُ كرمةٌ نَقَلْتَها مِنْ مِصْرَ وطَرَدْتَ أُمَمًا وغَرَسْتَها. مَهَّدْتَ لجذورِها مكانًا فَغَرَزَت ومَلأتِ الأرضَ. غطَّى ظِلُّها الجبالَ وأغصانُها أرْزَ اللهِ. مدَّت غُصونَها إلى البحرِ وفُروعَها إلى ضِفافِ النَّهرِ. لِماذا هَدَمْتَ سياجها، فقَطَفَها كُلُّ عابِرِ سبيل؟ أتلَفَها خنزيرُ الوعرِ ورَعَتْها وُحوشُ البَرّ}+ المزمور 80: 9-14 هكذا يئنّ المرتِّل، لأن الكرمة التي غرستها يمينُ الرب حطّمت الحصون التي أقامها الرب حولها، ليصير ثمرها لعابري الطريق والخنزير والوحش، لا للرب.
وقدّم لنا الله نفسه مرثاة على كرمه حيث قال: {والآن يا أهل أورشليم ورجال يهوذا، احكموا بيني وبين كرمي. أي شيء يمكن أن يصنع لكرمي لم أصنعه؟ وعندما انتظرت منه أن يثمر لي عنبا لماذا أنتج حصرما؟}+ إشعياء 5: 3-4
مرّة أخرى؛ في مرثاة على الكرمة ذاتها، يقول الله: {وأنا غرستُكِ ككرمة مختارة، ومن بذور سليمة كاملة، فكيف تحوّلتِ إلى كرمة فاسدة غريبة؟}+ إرميا 2: 21
هذه هي مسرّة الله؛ أن يصير شعبه كلُّه كرمة، تهب حياتها لمن حولها، تُفرح قلب الله بثمر الروح، وتبهج السمائيِّين بعمل الله فيها. لكن هذا ما حدث: {إن إسرائيل مثل كرمة مخصبة (جفنة ممتدة- ترجمة فان دايك) يغلّ ثمرا لنفسه. كلما تكاثر محصول ثمره زاد في بناء المذابح، وبمقدار ما تجود أرضه، يتقن بناء أنصابه. قلوبهم كلها خداع...}+ هوشع 10: 1-2
فصار شعب الله جفنة تخرج مرارة لحساب عبادة الأوثان ومملكة الظلمة، ليس كرمة مقدّسة لحساب ملكوت الله! لا وجود لحلّ آخر سوى أن يصير المَسِيّا- المَسِيح- نفسه كرمة حقيقية يتطعم فيها المؤمنون، فيأتون بثمرٍ روحيّ سماويّ فائق.
إنّ السيد المسيح هو الكرمة المغروسة في التربة، إذْ هو الكلمة الذي صار جسدًا (يوحنّا 1: 14) رآه النبي إشعياء 53: 2 بروح النبوة بلا شكل ولا جمال- أمام الخطاة وغير المؤمنين.
ثمر الكرمة الذي يُفرح الله والناس- قضاة 9: 13
ثمر الحكمة- السيد المسيح- خير من الذهب ومن الإبريز- أمثال 8: 19
إنّهُ كرمة يهوذا التي تُغنيه بدم العنب (تكوين 49: 11) وكرمة يوسف التي تجري فروعها على الحائط (تكوين 49: 22) وكرمة إسرائيل التي يجلس تحتها بسلام- الملوك الأول 4: 25
يقول القدّيس يوحنّا الذهبي الفم: "لم يذكر الكرمة هنا لأجل معنى آخر إلّا لكي يعلم التلاميذ أنهم بدون قوة السيد المسيح لا يمكنهم أن يعملوا شيئًا، وأنهم على هذا المثال يحتاجون أن يتّحدوا به كاتّحاد الغصن بالكرمة".
ويقول القدّيس أثناسيوس الرسولي: "إننا أقرباء الرب حسب الجسد، لذا يقول: {أخبِّر باٌسمِكَ إخوتي}+ عبرانيّين 2: 12 والمزمور 22: 23 وكما أنّ الأغصان واحدة مع الكرمة- الأصل- وهي منها (يوحنّا 15: 1) هكذا نحن أيضًا؛ جسد واحد متجانس مع جسد الرب، ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا (يوحنّا 1: 16) ولنا هذا الجسد كأصل لقيامتنا وخلاصنا".
...
يُطلَب من الكرمة عنب جيّد (إشعياء 5: 2) وتُطلَب من المسيحي حياة مسيحية لائقة؛ بفكر مسيحي، وسلوك مسيحي، وقلب مسيحي محبّ للبشرية كلِّها. ما نفع الكرمة بلا عنب، ما نفع المسيحي بلا حُبّ؟! ومع النمو المستمر في الحياة المسيحية ومع الثمر المتكاثر، يوجد دائمًا ما لا يرغبه الله فينا فينقّيه، إذ يقوم الله بالعمل ككرّام يقلّم أغصان الكرمة لكي تأتي بثمر أكثر. لقد قال المسيح لتلاميذه عند غسل أقدامهم إنّهم أطهار، لكنّهم يحتاجون أن يمدّ يديه ليقوم بنفسه بغسل أقدامهم حتى تتنقى أو تطهر مما لحق بها أثناء سيرهم في العالم.
يرى بعض المفسِّرين أنّ المسيح هنا يشير إلى يهوذا الإسخريوطي الذي لم يحمل ثمرًا، فاستحقّ نزعه من الرسولية وحرمانه من الملكوت. إنه كشجرة التين التي جاء إليها السيد وهو في طريقه ولم يجد فيها ثمرًا (متّى 21: 19 ومرقس 11: 13) فيبست حالا.
جاء الوعد لمن يأتي بثمر إنه ينقّيه ليأتي بثمر أكثر أو يقلّمه، أي ينزع عنه كل ما هو زائد وما يعوق نموّه وإثماره. هذا التقليم هو اهتمام ورعاية لكي يتزايد الثمر، لا يحمل عنفًا أو قسوة من الكرّام.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم "أنّ التقليم هنا يشير إلى الاضطهادات التي تواجه المؤمنين، فهي لا تحطمهم، بل تزيدهم قوّة وإثمارا".
فالمؤمنون هم الأغصان الكثيرة الظاهرة التي ترتمي في اتجاهات مختلفة لكنها تجتمع معًا في المسيح، الجذر الخفيّ واهب الحياة والثمار، وهو مركز وحدتهم. المؤمنون كأغصان الكرمة الضعيفة التي لا تقدر أن تقوم بذاتها بدون الجذر؛ يقول الرب: {يا ابن آدم ماذا يكون عود الكرم فوق كل عود أو فوق القضيب الذي من شجر الوعر؟}+ حزقيال 15: 2
يقول هنا القدِّيس أغسطينوس: "لا تعجب إذنْ إن كان في تلك الكرمة التي تنمو وتملأ البقاع كلّها (المزمور 80: 9-11) أغصان تُقطع منها- هذه التي رفضت أن تنتج ثمر الحُبّ..."]- بقلم القمّص تادرس يعقوب ملطي.
تجد-ين المزيد من التفسير والإشارات على صفحة "يوحنّا 15- تفسير إنجيل يوحنّا" على گوگل.
ـــ ـــ
الإشارة الثانية
في قول المسيح: {25لكنْ لكي تتمّ الكلمة المكتوبة في ناموسهم: إنهم أبغضوني بلا سبب}+ إشارة إلى: {انظر كيف تكاثر عليَّ أعدائي وهم يبغضونني ظلمًا}+ المزامير 25: 19 وإلى: {مُبْغِضِيَّ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ شَعرِ رَأْسي }+ المزامير 69: 4
ففي التفسير المسيحي، تحت عنوان- الرب يسوع يتنبأ ببغضة العالم لتلاميذه- بتصرّف:
[رأى الرب أنّ موقف الإنسان منه جاء بمثابة تتميم حرفيّ أمام هذا البرهان الدامغ للنّبوّة. ففي المزمور 69: 4 وردت النبوة عن المسيح أنهم أبغضوه بلا سبب. والآن، بعد أن تمّت هذه الكلمة، ذكر الرب كيف أن العهد القديم الذي طالما افتخر به هؤلاء، تنبأ ببغضتهم له هذه التي لا أساس لها. إلاّ أن ورود هذه النبوة لم يكن ليُكرِه هؤلاء القوم بالضرورة على أن يبغضوا المسيح، لكنهم في الواقع أبغضوه بكامل اختيارهم، عن سابق إصرار وتصميم. وإذ رأى الله حصول ذلك، جعل داود يدوّنه في المزمور التاسع والستين]- بقلم وليم ماكدونالد.
وفي تفسير آخر تحت عنوان- محبة بعضنا البعض وكراهية العالم:-
[على قدر الامتياز هناك المسئولية؛ تكلم الرب يسوع إلى اليهود بسلطان وليس كالكتبة فقالوا عنه: {لم يتكلّم إنسان قطّ هكذا مثل هذا الإنسان}+ يوحنّا 7: 46 وكانت هناك أيضًا أعمال قوّته إذْ {جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلّط عليهم إبليس}+ أعمال الرسل 10: 38 كانت أعماله نابعة من هذه المحبة وتظهرها، ولذلك كلِّه فليس لهم عذر في بغضهم له. وتمّ ما جاء في المزمور الـ69: 4]- بقلم هلال أمين.
واكتفيت بهذا القدر؛ إذ يجد القارئ-ة تفسير كلّ من الأخ وليم ماكدونالد والأخ هلال أمين وغيرهما على رابط الكتاب المقدَّس التالي
http://www.injeel.com/Read.aspx